لم يعد بإمكان الفتيات متابعة دروسهن في حال كان الأستاذ الذي يلقي الدروس رجلا، باتجاه صارم لإبعاد النساء عن الوظائف العامة.
صار الأفغانيون عمليا ضحية للحركة والجهات الدولية التي ترفض مد العون للمجتمع الأفغاني، وصارت النساء، هنّ مركز هذه المأساة الكبرى الجارية.
تدهور وضع النساء الأفغانيات بشكل يشير لإشكالية كبرى في التطبيع مع شرائع أممية وقوانين دولية تخص المرأة وطرق التعامل معها مقارنة بأي دولة إسلامية أخرى.
تصطدم مساعي طالبان في إظهار قدرتها على إدارة البلاد كدولة وليس كتنظيم مسلّح، بإمكانية استجابتها، لمطالب الأسرة الدولية التي تقدم 80% من ميزانية البلاد.
تواجه طالبان مشكلة عجزها على تطبيع علاقاتها بالمنظومة الدولية مما يمنع دعمها لميزانية البلاد والمساعدات الضرورية للبنية التحتية والاقتصاد مما يفاقم أزمات البلاد اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.
* * *
منذ سيطرتها مجددا على السلطة في آب/أغسطس 2021 الماضي، تواجه حركة طالبان الأفغانية مشكلة سياسية كبرى تتمثّل بعدم قدرتها على تطبيع علاقاتها مع المنظومة الدولية، مما يمنع دعم هذه المنظومة ماليا لميزانية البلاد، كما يوقف المساعدات الضرورية للبنية التحتية والاقتصاد المتهالكين، مما يفاقم أزمات البلاد الاقتصادية والسياسية والأمنية.
تصطدم مساعي الحركة في إظهار قدرتها على إدارة البلاد كدولة، وليس كتنظيم مسلّح، بإمكانية استجابتها، ولو بالحدود الدنيا، لمطالب الأسرة الدولية التي تقدم 80% من ميزانية البلاد، وبالالتزام بتعهداتها أمام الأمم المتحدة والمنظومة الدولية بحماية العاملين في منظمات الإغاثة التي تنشط في البلاد، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان، ومطاردة المعارضين، والصحافيين، وبالخصوص، وقف انتهاك حقوق النساء.
مع مرور قرابة تسعة أشهر على وصول طالبان إلى الحكم في أفغانستان تدهور وضع النساء الأفغانيات بشكل يشير إلى إشكالية كبرى، ليس في التطبيع مع الشرع الأممية والقوانين الدولية بخصوص المرأة، بل حتى في طرق التعامل معها مقارنة بأي دولة إسلامية أخرى.
يبدو أن متشددي الحركة صارت لهم يد عليا في هذه المسألة، وأنهم تمكنوا من كتم أو خفض الأصوات المعتدلة، وهو ما نراه من التراجع عن قرارات اتخذتها بما يخص السماح للفتيات بالعودة للمدارس الابتدائية والثانوية، والعمل على تسريح المدرسات الجامعيات، بحيث صار من الصعب على النساء إكمال دراساتهن الجامعية.
فحسب قرارات الحركة، لا يمكن للفتيات متابعة دروسهن في حال كان الأستاذ الذي يلقي الدروس رجلا، باتجاه صارم لإبعاد النساء عن الوظائف العامة.
وبعد قرار اتخذته الحركة بـ«تخفيف إلزامية ارتداء الحجاب» صدر يوم السبت الماضي قرار جديد منها، يفرض على النساء تغطية الوجه وليس الرأس فحسب، مع تفضيل ارتداء البرقع.
وكان القرار تفصيليا بحيث يفرض عليهن «تغطية وجوههن باستثناء العينين» بل إن المرسوم يقول إنه «يفضل أن تلازم النساء المنزل» معددا عقوبات سيواجهها أرباب العائلات الذين لا يفرضون على نساء أسرهم ارتداء الحجاب وتغطية الوجه، والتي تصل إلى الحبس والتحويل إلى القضاء.
يشكّل العمل الجاري على إقصاء النساء من الحياة العامة، في الحقيقة، مظهرا رئيسيا من مظاهر إقصاء المعارضة السياسية في المجتمع، ويستخدم نشر الخوف لدى النساء، والذي يصل أحيانا لحد الاعتقال، كوسيلة لضبط المجتمع وأي حراك سياسي مناهض للحركة.
تساهم هذه الوضعية السياسية، في تشجيع العنف الأسري ضد المرأة، وحسب الأمم المتحدة فإن «87 في المئة من النساء الأفغانيات تعرضن إلى العنف الجنسي والجسدي أو النفسي، كما تدهور وضعهن الأمني أكثر مقارنة بالسنوات الماضية».
يسهم تعليق المساعدات الدولية، الذي ينضاف إلى كل هذه الظروف للمجتمع والمرأة، في وضع قرابة 20 مليون أفغاني تحت وطأة المجاعة، ويؤدي إلى حالة انعدام الأمن الغذائي، بحيث تلجأ بعض الأسر لبيع بناتهن القاصرات مقابل الحصول على الغذاء!
وبذلك صار الأفغانيون، عمليا، ضحية للحركة والجهات الدولية التي ترفض مد العون للمجتمع الأفغاني، وصارت النساء، هنّ مركز هذه المأساة الكبرى الجارية.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: