تريد إدارة بايدن أن تجعل من أوكرانيا ثقباً أسود يستهلك قدرات روسيا ويستنزفها.
تؤكد تقارير أميركية نشرت، مؤخرا، أن واشنطن تعمل على ضعضعة روسيا واستنزافها، بحيث لا تقوى على استعادة توازنها وتعافيها لسنوات طويلة مقبلة.
يفترض مسار الاحتواء والاستنزاف أن بوتين لن يلجأ، تحت ضغط اليأس، إلى “خيار شمشون” وهدم سقوف الحسابات الجيوسياسية والجيوستراتيجية على رؤوس الجميع!
لا يخفي المسؤولون الأميركيون أن هدفهم إضعاف روسيا إلى حد كبير بحيث لا تعود قادرةً على تهديدغيرها من الدول الحليفة للولايات المتحدة، وتحديداً في أوروبا.
لا تكتفي أميركا بعقوبات دبلوماسية واقتصادية غربية كاسحة على روسيا، ولا بمساعدات عسكرية ولوجستية واستخباراتية هائلة تقدّمها لأوكرانيا ضد روسيا.
تسعى إدارة بايدن لـ”تجفيف العقول” في روسيا بإغراء علمائها الحاصلين على الماجستير والدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على الهجرة لأميركا.
* * *
بقلم: أسام أبو راشيد
لا يخفي المسؤولون الأميركيون أن هدفهم في أوكرانيا لا ينحصر في هزيمة روسيا عسكرياً فحسب، بل في إضعافها إلى حد كبير، أيضاً، بحيث لا تعود قادرةً على تشكيل تهديد لغيرها من الدول الحليفة للولايات المتحدة، وتحديداً في أوروبا.
إنها معركة تذهب إلى أبعد من تصفية الحسابات مع موسكو، التي كانت واشنطن اتهمتها بمحاولة التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، إلى محاولة احتوائها، ومن ثمَّ التفرغ إلى التنين الصيني الصاعد في شرق آسيا وعالمياً، وتوجيه رسالة تحذير ضمنية إليه في خضم ذلك.
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، لا تكتفي الولايات المتحدة بالعقوبات الديبلوماسية والاقتصادية الغربية الكاسحة على روسيا، ولا حتى بالمساعدات العسكرية واللوجستية والاستخباراتية الهائلة التي تقدّمها لأوكرانيا، بل تؤكد تقارير أميركية نشرت، أخيرا، أن واشنطن تعمل على ضعضعة روسيا واستنزافها، بحيث لا تقوى على استعادة توازنها وتعافيها لسنوات طويلة مقبلة.
يكشف تقرير نشره موقع “بلومبرغ” الأميركي، يوم الجمعة الماضي، إن إدارة الرئيس، جو بايدن، تسعى إلى “تجفيف العقول” في روسيا، عبر إغراء متخصّصيها الحاصلين على الماجستير والدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على الهجرة إلى الولايات المتحدة.
وتأمل واشنطن أن يجتذب تسهيل التأشيرات وتخفيف إجراءات الهجرة لتلك الفئة الخبراء الروس في أشباه الموصلات، وتكنولوجيا الفضاء، والأمن السيبراني، والتصنيع المتقدّم، والذكاء الاصطناعي. وتقوم حسابات البيت الأبيض على أن انكماش الاقتصاد الروسي، والذي يتوقع أن يصل إلى 15% بفعل العقوبات، سيدفع هؤلاء إلى طلب الهجرة والهروب من بلادهم، بحثاً عن حياة أكثر استقراراً وأكثر أمناً. ويرى خبراء أنه إذا ما تحقق هذا الهدف الأميركي، فإن روسيا ستواجه أزمة كبيرة مستقبلاً، في حين سيستفيد الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل.
لا تقف تحرّكات واشنطن لاحتواء روسيا وإضعافها عند ذلك الحد، إذ نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً، يوم الأربعاء الماضي، جاء فيه أن الولايات المتحدة قدّمت معلومات استخباراتية للأوكرانيين، ساعدتهم في استهداف جنرالات روس عديدين وقتلهم في أرض المعركة. وتفيد المعلومات المتوفرة بأن القوات الأوكرانية تمكّنت من قتل 12 جنرالاً روسياً، وهو عدد كبير أثار دهشة الخبراء العسكريين.
ولا تكتفي واشنطن بتقديم المعلومات الاستخباراتية لاستهداف هؤلاء، والقوات الروسية عموماً ومراكز تجمّعها، فحسب، بل إنها تقدّم للقوات الأوكرانية، أيضاً، أسلحة خاصة تمكّنها من ذلك، مثل طائرات من دون طيار من طراز Switchblade، القادرة على القيام بتلك المهمات، من تصفية الجنود أو الجنرالات وتدمير المركبات العسكرية.
وحسب الصحيفة، كان للمعلومات الاستخباراتية التي قدّمتها الولايات المتحدة للسلطات الأوكرانية، مع بدء الاجتياح الروسي في شهر فبراير/ شباط الماضي، الدور الأبرز في إفشال سيطرة قوات روسية محمولة جواً على مطار هوستوميل شمال العاصمة كييف.
يجري ذلك كله في ظل عدم قدرة روسيا، إلى اليوم، على بناء زخم فعّال في ساحة المعركة لكسر القوات الأوكرانية ومقاومتها. وهذا عائد، بعد عزيمة المقاتلين الأوكرانيين، إلى نوعية الأسلحة المتقدّمة والفتاكة التي يتلقونها من الغرب وحجمها، فضلاً عن المعلومات الاستخباراتية التي يحصلون عليها من أقمار تجسّس حلف الناتو.
دع عنك تخبّط صانع القرار الروسي، وبالتالي قواته على الأرض، جرّاء المفاجآت السياسية والاقتصادية والعسكرية، والتي يبدو أنها لم تؤخذ ضمن حساباته بجدية.
تدرك إدارة بايدن المعضلات الروسية في أوكرانيا، وهي تريد أن تجعل منها ثقباً أسود يستهلك قدرات روسيا ويستنزفها، كما قال ذلك صراحة كل من وزير الدفاع، لويد أوستن، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي.
وضمن هذا السياق، يندرج طلب الرئيس بايدن المقدّم إلى الكونغرس تمويل حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا بقيمة 33 مليار دولار. المشكلة أن هذا كله يفترض أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يلجأ، تحت ضغط اليأس، إلى “خيار شمشون” وهدم سقوف الحسابات الجيوسياسية والجيوستراتيجية على رؤوس الجميع. حينها ستكون أوروبا، وربما العالم بأسره، على عتباتٍ أخرى، لا يعلم طبيعتها إلا الله.
* د. أسام أبوارشيد باحث بالمركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة، واشنطن.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: