يتفاقم الشرخ وسط الغرب في التعامل مع الكرملين نظرا لوجود رؤى وأهداف مختلفة.
قد تبلغ الأيام المقبلة الذروة الحربية برفع روسيا مستوى القوة النارية بدرجة تعادل حرب العراق أو معارك الحرب العالمية الثانية.
كشف البنتاغون أجندته العسكرية في هذه الحرب: إضعاف القوات العسكرية الروسية وإلحاق الهزيمة بها لئلا تكرر سيناريو التدخل في دولة أوروبية مستقبلا.
تغيير طريقة عمل قوات أوكرانيا بسبب انتشارها الميداني وتكتيك العمليات الخاصة التي تنفذها فتتجنب المواجهات المباشرة وتنفذ استراتيجية حرب مزيج من الكوماندوس والعصابات.
تدخل حرب روسيا ضد أوكرانيا منعطفا خطيرا بعد قرار أمريكا إضعاف قوات روسيا العسكرية وقرار موسكو زيادة تدمير البنية التحتية العسكرية والمدنية والتهديد بامتداد الحرب نحو الأطلسي.
* * *
بقلم: حسين مجدوبي
بدأت الحرب الروسية ضد أوكرانيا تدخل منعطفا خطيرا بعد قرار الولايات المتحدة العمل على إضعاف القوات العسكرية الروسية، وقرار موسكو الرفع من مستوى تدمير البنيات التحتية العسكرية وبعض المدنية منها، ثم التهديد بامتداد الحرب بما في ذلك ضد الحلف الأطلسي.
ووسط كل هذا، يتفاقم الشرخ وسط الغرب في التعامل مع الكرملين نظرا لوجود رؤى وأهداف مختلفة.
ويبقى التطور الكبير في هذه الحرب هو القمة العسكرية التي نظمتها الولايات المتحدة في قاعدة رامشتاين الألمانية بداية الأسبوع الجاري بمشاركة أعضاء الحلف الأطلسي وكذلك الدول التي تحمل صفة شريك للحلف الأطلسي كاليابان وأستراليا وتونس.
وتنص القمة التي ترأسها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن على تنظيم الدعم العسكري للقوات الأوكرانية لمقاومة نظيرتها الروسية.
وكشف البنتاغون بدعم من لندن عن أجندته العسكرية بشكل واضح في هذه الحرب وهي العمل على إضعاف القوات العسكرية الروسية وإلحاق الهزيمة بها حتى لا تكرر سيناريو التدخل في دولة أوروبية أخرى مستقبلا.
وبدأت واشنطن ولندن في تطبيق هذه الاستراتيجية من خلال تزويد القوات الأوكرانية بأسلحة نوعية خفيفة ولكنها فتاكة للغاية. ومن ضمن هذه الأسلحة نسخ متطورة من ستينغر التي تستهدف الطائرات والمروحيات ثم أنظمة متطورة من جافلين وكارل غوستاف لتدمير الدبابات والمدرعات وناقلات الجند. وتوفير ما يعرف بالرشاش أو البنادق المضادة للمادة Rifle Antimaterial مثل ماك ميلان تاك 50 التي تعمل على استهداف الدبابات والمدرعات.
يضاف إلى هذا، الطائرات المسيرة الانتحارية من نوع «فينيكس غوتس» ويعتقد أنها المرة الأولى التي سيتم فيها استعمال هذا النوع من الدرون في الحروب.
وعمليا، هذه الأسلحة تعوض توصل أوكرانيا بأسلحة ثقيلة مثل الدبابات والمدافع الكبيرة بسبب صعوبة إدخال هذه الآليات الحربية إلى أوكرانيا انطلاقا من بولندا نظرا للمراقبة الجوية الدقيقة التي يقوم بها الطيران الروسي واستهداف الشاحنات أو أي وسيلة نقل مشتبه فيها علاوة على نقاط تجميع الأسلحة والمقاتلين الأجانب.
وكانت دول أوروبا الشرقية قد زودت أوكرانيا بنظام أس-300 الروسي المضاد للطيران، غير أن القوات الروسية استهدفتها مباشرة بعد اجتيازها الحدود.
وأعلنت واشنطن تخصيص 33 مليار دولار كمساعدة لتسليح أوكرانيا بمختلف الأسلحة، وإن كان التركيز سيكون على الأسلحة الخفيفة الفتاكة لسهولة صنعها ولقوتها النارية في تحييد الدبابات والمدرعات علاوة على سهولة إدخالها إلى أوكرانيا.
وبدأت القوات الأمريكية تدريب قوات أوكرانية على استعمالها في قواعد أمريكية في ألمانيا.
ذروة الحرب
وبدأت وزارة الدفاع الروسية تشعر بوجود تغيير في طريقة عمل القوات الأوكرانية بسبب انتشارها الميداني وكذلك تكتيك العمليات الخاصة التي تنفذها، حيث تتجنب المواجهات المباشرة وتنفذ استراتيجية حرب مزيج بين الكوماندوس والعصابات.
وبدأت روسيا تلوح بالأسوأ. وعلاقة بهذا، هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بامتلاك بلاده أسلحة متطورة ليست للمباهاة بل للاستعمال ضد من يتورط في مساعدة أوكرانيا على ضرب الأراضي الروسية. ومن جهته، حذّر وزير خارجية موسكو سيرغي لافروف من مغبة استمرار تجاهل مطالب روسيا المتعلقة بأمنها القومي قائلا «خطر الحرب العالمية الثالثة قائم».
وسياسيا، إذا كانت الولايات المتحدة تؤكد أن هدفها هو إضعاف روسيا عسكريا لكي لا تقوم مجددا بخرق القانون الدولي والاعتداء على الدول المجاورة، في المقابل تعتمد موسكو خطابا مضادا جديدا وهو تأكيد وزير الخارجية لافروف في تصريحات هذا الأسبوع مع وكالة الأنباء الصينية الرسمية، أن هذه الحرب هي تخليص العالم من التأثير الغربي قائلا «محاولات الغرب الجماعي لوقف المسار الطبيعي للتاريخ وحل مشاكله على حساب الآخرين محكوم عليها بالفشل، لأن العالم الحديث متعدد الأقطاب».
الانقسام الغربي
وبعد مرور شهرين على الحرب، يتفاقم الشرخ وسط الغرب بين الجناح الأنغلوسكسوني المكون من بريطانيا والولايات المتحدة بدعم من دول مثل بولندا ودول البلطيق وبين الجناح الأوروبي بزعامة فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
ويهدف الجناح الأول إلى استغلال هذه الحرب لإضعاف روسيا عسكريا وسياسيا وطردها من مختلف المنظمات الدولية. وهذا يعني استمرار الحرب ربما لسنوات لأنها ستتحول إلى حرب استنزاف.
في المقابل، ترغب برلين وباريس وعواصم أخرى مثل روما ومدريد في إيقاف الحرب في أقرب وقت عبر المفاوضات بين موسكو وكييف، ثم فتح حوار شامل مع روسيا حول مستقبل العلاقات.
وينطلق هذا الطرف من أن الذي سيقدم الفاتورة العسكرية والسياسية والاقتصادية المرتفعة هي دول أوروبا، ويكفي أنها لا تستطيع التخلي عن الغاز الروسي وأجبرتها موسكو على شراء هذا الغاز بالروبل.
وإذا كانت واشنطن ترغب في الرهان العسكري كدرس لموسكو، تريد باريس الحوار السياسي. وكانت قمة رامشتاين في ألمانيا التي أشرف عليها البنتاغون ذات دلالة رمزية في هذا الشأن.
فقد شاركت الدول الأنغلوسكسونية والمؤيدة لها بوزراء الدفاع، في حين حضرت دول أوروبا وعلى رأسها فرنسا بالسفراء المعتمدين في برلين من دون وزراء الدفاع.
وترى باريس التي ترأس الاتحاد الأوروبي ضرورة تولي أوروبا الحل السياسي مع روسيا من أجل استراتيجية سلام وحوار طويلة المدى بحكم حاجة أوروبا لهذا البلد خاصة المواد الأولية والطاقة مثل الغاز.
ومن المنتظر قيام باريس وبرلين بمبادرة تجاه إنهاء الحرب بتشجيع استئناف المفاوضات المباشرة بين موسكو وكييف التي توقفت منذ نهاية آذار/مارس الماضي بعد ما تم تسجيله من جرائم ضد الإنسانية في بوتشا.
* د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: