صعوبات كبرى تستوجب تغييرا جذريا للسياسة الفرنسية في الداخل والخارج بشكل يسمح لها بالبقاء قوة اقتصادية وعسكرية أوروبية ثابتة.
التحديات كبيرة أمام السلطة السياسية القادمة في بلاد أنهكتها آثار الجائحة ولا تزال الاحتجاجات الاجتماعية قائمة بعد فشل كبير منيت به رئاسة ماكرون الماضية.
كان وصول مارين لوبان للدور الثاني هدية سخية للمرشح ماكرون الذي كان واثقا من الفوز بعد استبعاد المرشح اليساري الأقدر على هزيمته في الدور الثاني.
ملفات كثيرة تنتظر الرئيس الجديد وحكومته: ملفات الأجور والقدرة الشرائية ومعدلات البطالة وأزمة الطاقة والتحركات الاجتماعية ومسألة المناخ وقضية الهجرة..
أثبتت حرب أوكرانيا أنّ أوروبا ليست بمأمن من حروب كبرى تعصف بكل المكاسب الاقتصادية وأن التهديد الروسي للقارة ليس لفظيا فحسب بل واقعا معاشا.
لا تزال حظوظ اليسار الاشتراكي قائمة في الانتخابات التشريعية أي أن رئيس الحكومة قد يكون يساريا هذه المرّة لتعيش فرنسا تحت سقف التعايش بين رئاسة يمينية وحكومة اشتراكي!
* * *
بقلم: محمد هنيد
لم يكن فوز الرئيس الفرنسي ماكرون مفاجأة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية بل كان أكثر من متوقع بعد هزيمة المرشح اليساري ميلانشون في الدور الأول. أي أنّ فوز المرشح الحالي قد حُسم في الحقيقة منذ الدور الأول لأنّ حظوظ اليمين المتطرف في الوصول إلى السلطة تبقى صعبة جدا.
بل إنّ وصول مارين لوبان إلى الدور الثاني كان بمثابة الهدية السخية للمرشح ماكرون الذي كان واثقا من الفوز بعد استبعاد المرشح اليساري الأكثر قدرة على هزيمته في الدور الثاني.
من جهة أخرى لا تزال حظوظ اليسار الاشتراكي قائمة في الانتخابات التشريعية مما يعني أن رئيس الحكومة قد يكون يساريا هذه المرّة لتعيش فرنسا تحت سقف التعايش بين رئاسة يمينية وحكومة اشتراكية وهو الأمر الذي يخشاه معسكر ماكرون اليوم.
مهما يكن من أمر فإن تغيرات عميقة ستشهدها الساحة الفرنسية في المدّة القادمة لأسباب عديدة أولها تحولات المشهد الدولي من ناحية أولى بسبب الحرب الروسية الأوكرانية إضافة إلى الأزمة الخانقة التي تعيشها فرنسا على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
ملفات كثيرة تنتظر الرئيس الجديد وحكومته وعلى رأسها ملفات الأجور والقدرة الشرائية ومعدلات البطالة وأزمة الطاقة والتحركات الاجتماعية ومسألة المناخ وقضية الهجرة وغيرها من القضايا التي ستحدد المشهد العام في السنوات القادمة.
من جهة أخرى تبدو السياسية الخارجية عاملا مركزيا في رسم توجهات السياسة الفرنسية سواء كان ذلك داخل المجال الأوروبي أو على الصعيد الدولي بشكل عام.
ففرنسا تحتاج أكثر من أي وقت مضى لضمان أسواقها الخارجية وإمداداتها من الطاقة والمحافظة على زبائنها خاصة في مجلات الإعمار والتسليح.
فقد أثبتت حرب أوكرانيا أنّ أوروبا ليست في مأمن من اندلاع حروب كبرى قد تعصف بكل المكاسب الاقتصادية للدول وأن التهديد الروسي للقارة العجوز ليس تهديدا لفظيا فحسب بل تحوّل إلى واقع معاش.
من هنا ستعيد فرنسا قراءة تحالفاتها الخارجية سواء ما تعلق منها بالداخل الأوروبي أو ما يجمعها بالحليف الأكبر وهو الولايات المتحدة الأميركية في ظل تصاعد المطالب الأوروبية بمزيد التعويل على دول القارة التي تعاني من صراعات لا تتوقف.
هكذا تبدو التحديات كبيرة على السلطة السياسية القادمة في بلاد أنهكتها آثار الجائحة ولا تزال الاحتجاجات الاجتماعية قائمة بعد الفشل الكبير الذي منيت به عهدة الرئيس ماكرون في سنوات حكمه الخمس الماضية، وهو الأمر الذي سيستوجب تغييرا جذريا للسياسة الفرنسية سواء في الداخل أو في الخارج بشكل يسمح لها بالبقاء قوة اقتصادية وعسكرية أوروبية ثابتة.
* د. محمد هنيد أستاذ محاضر في العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس
المصدر: الوطن – الدوحة
موضوعات تهمك: