من أين سيأتي «النصر» الذي يبشر به الغرب، وأوهم قيادة أوكرانيا وقطاعات معينة من شعبها به؟
تتركّز الحملات الإعلامية حول «مذابح» تقوم بها روسيا و«فشل» قواتها في دخول كييف، وحروب «كيماوية» محتملة وإمدادات الأسلحة الغربية.
العقوبات سترتد على الغرب، والاقتصادات الغربية ستدفع أثماناً باهظة جراء هذه العقوبات مقابل الخسائر الكبيرة التي سيتكبدها الاقتصاد الروسي.
الاستنزاف العسكري للقوات الروسية ثبت فشله وتحولت الحرب لاستنزاف قوات أوكرانيا و«الناتو» ولكل الغرب بعد أن تحوّلت الحرب إلى الشرق.
روسيا تعتبر ما تبقّى من قوات أوكرانيا حول وداخل العاصمة وبعض المدن خارج المنطقة الشرقية منتهية الفعالية، ولا تشكل تهديدا حقيقيا للقوات الروسية.
حرب يستحيل درء الهزيمة الكاملة فيها ومنها مع إصرار كامل من الغرب على خوضها بأيّ ثمن، وتحت كل الظروف، حتى لو أن أوكرانيا تم حرقها بالكامل!
كيف سيتم إنقاذ ما تبقّى من قوات أوكرانيا إذا كانت مخازن حلف الناتو ومخازن البنتاغون استهلكت حتى الآن أكثر من ثلث مخزونها من نوعية أسلحة تُرسل لأوكرانيا؟
كل الأسلحة التي تحصل عليها أوكرانيا من الغرب لن تغير مسار الحرب وتؤدي فقط لإطالة أمد الحرب وويلات لشعب أوكرانيا خاصة أن قوات روسيا تدمر هذه الأسلحة أوّلا بأوّل.
الغرب لا يخبرنا أين الحرب باستثناء استمرار ضرب روسيا لما تبقّى من قواعد عسكرية لجيش أوكرانيا بأنحاء البلاد وحصار ماريوبول وتواصل معارك دونباس حيث قوات أوكرانيا وفصائل نازية.
* * *
بقلم: عبد المجيد سويلم
صدّقوا أو لا تصدّقوا أن الولايات المتحدة قد فقدت رشدها ـ إن كان لديها، أو إن كان قد تبقّى لديها بعض من هذا الرشد ـ وأنها فقدت توازنها في ضوء النتائج «الأولية» لحرب أوكرانيا، أما بريطانيا فقد جُنّ جُنونها بالكامل، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، في حين تقف أوروبا مشدوهة ومذهولة أمام هذه النتائج.
منذ أكثر من ثلاثة أسابيع وأنا أُتابع «البثّ الحيّ والمباشر» لبعض الفضائيات العالمية، وخصوصاً العربية، والتي وصل حماسها لنقل «وقائع» هذه الحرب إلى حدود أن تكون «مرشومة» بالمراسلين، ومزدحمة بالأخبار العاجلة على مدار الساعة، وأحياناً على مدار الدقيقة دون أن أتمكّن من الخروج بأيّ حصيلة مهما كانت ضئيلة أو فقيرة، ومهما كانت تنطوي على ادعاءات وأكاذيب ليس لها في الواقع أي أساس، وغالباً ما تكون مجرّد صدى باهت لأخبار وفبركات غربية تشبه الإعلام العربي الذي تذكرونه في الحروب والمعارك في ستينيات القرن الماضي.
في الأسابيع الثلاثة الماضية، تتركّز الحملات الإعلامية حول «مذابح» تقوم أو قامت بها القوات الروسية، وحول «فشل» القوات الروسية في الدخول إلى العاصمة الأوكرانية، وحول حروب «كيماوية» محتملة، وحول إمدادات الأسلحة الغربية.
باختصار، فإن الغرب لا يخبرنا أين هي الحرب باستثناء ما كان يدور منها من استمرار ضرب القوات الروسية لما تبقّى من قواعد عسكرية للجيش الأوكراني، في كل أنحاء أوكرانيا، وحصار القوات الروسية لمدينة ماريوبول، وتواصل المعارك في منطقة الدونباس حيث تتركّز القوات الأوكرانية والفصائل النازية.
وأين تخوض القوات الأوكرانية هذه الحرب باستثناء محاولات القصف المتقطعة من بعيد؟
صدّقوا أو لا تصدّقوا أن روسيا تعتبر أن ما تبقّى من قوات أوكرانية حول وداخل العاصمة، وحول وداخل بعض المدن من خارج المنطقة الشرقية هي منتهية الفعالية، وهي لا تشكل أي تهديد حقيقي للقوات الروسية، وأن كل الأسلحة التي تحصل عليها هذه القوات من الغرب لن تغير من مسار الحرب، ولن تؤدي سوى إلى إطالة أمد الحرب، وإلى المزيد من الويلات على الشعب الأوكراني، خصوصاً أن القوات الروسية تقوم بتدمير هذه الأسلحة أوّلاً بأوّل.
بعد سقوط ماريوبول وحصار أوديسا ليس هناك من معارك حقيقية سوى في الدونباس، وقوات أوكرانيا المتركز في هذه المنطقة لم تتمكن حتى الآن، رغم أن تعدادها يزيد على 100 ألف جندي من وقف زحف قوات الجمهوريتين الانفصاليتين.
وهي لا تمتلك القدرة على ذلك لأن القوات الروسية ما زالت لم تتدخل بصورة مباشرة وكبيرة للعمل ضد هذه القوات الأوكرانية قبل تأمين كامل المنطقة الشرقية بصورة كاملة ونهائية.
الذي يتم في الواقع هو استنزاف القوات الأوكرانية وليس الروسية، والذي يتم في الواقع زيادة معاناة الشعب الأوكراني، والذي تسجله وسائل الإعلام بالصوت والصورة هو القضايا الإنسانية الناتجة عن رفض القوات الأوكرانية السماح للسكان بمغادرة المدن والبلدات التي ما زالت تسيطر عليها هذه القوات أو الكتائب النازية التي تحتمي بها.
من أين سيأتي «النصر» الذي يبشر به الغرب، وأوهم القيادة وقطاعات معينة من الشعب الأوكراني به؟
لا بل إن السؤال هو كيف سيتم إنقاذ ما تبقّى من القوات الأوكرانية إذا كانت مخازن «حلف الناتو»، ومخازن البنتاغون الأميركي قد استهلكت حتى الآن أكثر من ثلث هذا المخزون من نوعية الأسلحة التي تُرسل إلى أوكرانيا؟ حسب مصادر غربية وليست روسية.
وكم ستستمر هذه «الحرب»، والتي هي في الواقع حرب موقعية تقوم على قصف مكثّف من قبل الطيران والصواريخ الروسية البعيدة وعالية الدقة للمواقع الأوكرانية المتبقية، في حين أن القصف المقابل هو قصف متقطّع، ولا يمكن مقارنته بالقصف الروسي، لا من حيث الكمّ، ولا من حيث نوعية السلاح، ولا من حيث التأثير والفعالية؟
إنها حرب يستحيل درء الهزيمة الكاملة فيها ومنها مع إصرار كامل من الغرب على خوضها بأيّ ثمن، وتحت كل الظروف، حتى لو أن أوكرانيا تم حرقها بالكامل أو تهجير أكثرية سكانها، وتحويلهم إلى لاجئين، وتحويل من تبقّى أو يتبقّى منهم إلى جموع تحتاج إلى أبسط المتطلبات الإنسانية.
الحقيقة أن روسيا تجد نفسها في وضعٍ لا تُحسد عليه.
فهي من ناحية عليها أن تؤمّن لكامل أوكرانيا الشرقية أسباب الدعم والإسناد الكامل في كل المجالات المعيشية، ومن ناحية أخرى عليها أن تؤمّن ما أمكنها ذلك سلامة مئات آلاف الأوكرانيين الذين تحتجزهم القوات الأوكرانية وأنصارها.
وعليها في نفس الوقت أن تقاتل ضد قوات يقف خلفها كامل حلف الناتو، وكل الخبرات العسكرية لأميركا وأوروبا وتوابعهما، كما عليها أن تؤمّن السيطرة الجوية والنارية على مساحة بلدٍ هو الأكبر في أوروبا بعد روسيا الاتحادية.
صدّقوا أو لا تصدّقوا أن الغرب فقد كامل زمام المبادرة في هذه «الحرب»، بعد أن تبين له وبالملموس أن سلاح العقوبات لن يجدي نفعاً في تغيير مسار هذه الحرب أو نتيجتها، وأن الاقتصاد الروسي كان جاهزاً للحرب، وكان مُعداً لها، وأن القوات الروسية قد عملت وفق خطة محكمة، من المراحل المتتالية لكي تفرض شروطها العادلة في النهاية.
مراهنات الغرب تسقط مراهنةً تلو أخرى.
العقوبات سترتد على الغرب، والاقتصادات الغربية ستدفع أثماناً باهظة جراء هذه العقوبات مقابل الخسائر الكبيرة التي سيتكبدها الاقتصاد الروسي. والاستنزاف العسكري للقوات الروسية ثبت فشله المريع وتحولت الحرب إلى استنزاف للقوات الأوكرانية ولـ«الناتو» ولكل الغرب بعد أن تحوّلت الحرب إلى الشرق.
المسائل الإنسانية بدأت تتكشّف أنها محاولة غربية لتوريط روسيا بها دون طائل، وزيارة أمين عام الأمم المتحدة، وإبداء الاستعداد الروسي الكامل للتعاون بشأنها جرّد الغرب من إمكانية استثمار هذه المسألة.
الحديث عن «المذابح» وعن الحروب الكيماوية وغير الكيماوية فشل فشلاً أكبر لأن زمام المبادرة في يد الروس من ناحية افتضاح أمر المختبرات البيولوجية الأميركية في أوكرانيا، ومن خلال المعلومات التي أعلنت عنها روسيا من أن لديها الوثائق الدامغة حول تلك «المذابح» المزعومة، وحول كيف ومتى تم التخطيط لها، ومن هي الجهات التي نفذتها.
وهذا ليس كل شيء.
أظنّ أن الأيام والأسابيع القادمة ستحمل للعالم الكثير الكثير من المفاجآت المدوّية حول حقيقة المشاركة، وحجم ونوعية المشاركة الأطلسية في هذه الحرب قبل أن تقع، وأثناء تواصلها، و«خطط» الناتو «للتعمّق» في هذه الخطط في منطقة البلطيق بعد الاستفزاز الأخير في مقاطعة «ترانيسنيتا».
الإعلان الروسي عن بدء إدخال منظومة صواريخ «سارمات» العابرة للقارات، وغير القابلة للإسقاط أو حتى الالتقاط على كل ما يملك الغرب من تقنيات في علوم الرصد والرادار يعني أن التفوق الروسي قد أصبح مضموناً لعشرات السنين القادمة، والغرب يعرف تماماً أن هذه المسألة قد حُسمت وانتهت، وأن لا مجال لمجاراة روسيا على هذا المستوى.
بدلاً من «تصدّع» روسيا حسب التوقعات الغربية، وبدلاً من «انهيار» الاقتصاد الروسي حسب ما بشّر به الرئيس بايدن وزميله رئيس الوزراء البريطاني فإن التصدعات المرشّحة الوحيدة هي في الجانب الغربي وليس الروسي، وبدلاً من سقوط بوتين فإن الأرجح بات هو سقوط بايدن وجونسون.
بات من مصلحة البشرية في هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها العالم أن يسقط بايدن وجونسون حتى تستطيع القيادات «الجديدة» في البلدين الخروج من شرنقة العنجهية والمكابرة والجلوس مع الرئيس بوتين على طاولة واحدة، وبحضور قادة العالم «العقلاء»، أو من وُجد وتبقّى منهم.
* عبد المجيد سويلم كاتب صحفي فلسطيني
المصدر: الأيام
موضوعات تهمك: