“فلنكن صريحين، تبادل سجناء مهم للعائلات، لكنه أمر طفيف نسبياً في مجال العلاقات الدولية”.
الجسر الذي كان يعرف باسم “جسر الجواسيس” كان يربط المنطقة الأميركية في برلين الغربية بمدينة بوتسدام في ألمانيا الشرقية سابقاً فوق نهر هافل.
عملية التبادل جرت على مدرج مطار في تركيا، فقد توقّفت طائرة أميركية بجانب طائرة روسية وأُطلق السجينين بشكل متزامن كما يحصل في الأفلام.
إطلاق سراح سجناء أميركيين في العالم يشكل أولوية دبلوماسية للإدارات الأميركية فمصير أميركيين تحتجزهم إيران يلقي بثقله على مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.
* * *
مع إجراء مفاوضات سرية في أوج أزمة دولية أفضت إلى خروج سجينين إلى الحرية على مدرج مطار، أحيت الولايات المتحدة وروسيا، أمس الأربعاء، عبر عملية التبادل، تقليداً يعود إلى حقبة الحرب الباردة.
وفيما الغرب يواصل فرض عقوبات على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، شددت الولايات المتحدة على أنها لن تجري أي تواصل دبلوماسي مع موسكو، لكن هذا التبادل يظهر أن القوتين لا تزالان تقيمان علاقة حول مواضيع محددة.
وأظهرت صور التلفزيون الروسي جندي مشاة البحرية (المارينز) الأميركي السابق تريفور ريد (30 عاماً) مرتدياً معطفاً، وهو يخرج من شاحنة صغيرة برفقة ثلاثة جنود روس على مدرج مطار كما يبدو.
وتوجهت الطائرة إلى تركيا التي لم تحظر مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية خلافا لدول الاتحاد الأوروبي، حيث جرت مبادلته بالطيار الروسي كونستانتين ياروشنكو الذي أدين بتهريب المخدرات وكان مسجوناً في الولايات المتحدة.
وقال والد جندي المارينز جوي ريد إن تريفور نُقل هذا الأسبوع إلى سجن في موسكو، وإن عملية التبادل جرت على مدرج مطار في تركيا، مضيفاً “توقّفت الطائرة الأميركية بجانب الطائرة الروسية وأُطلق السجينين بشكل متزامن على غرار ما يحصل في الأفلام”.
تم الاتفاق رغم أن السفارة الأميركية شبه خالية في موسكو بعدما اشتكت واشنطن منذ فترة طويلة من قيود روسية على موظفيها.
وقبل انتهاء الحرب الباردة عام 1991، كانت القوتان تتبادلان ليلاً السجناء على جسر غلينيك في برلين.
الحفاظ على علاقات
الجسر الذي كان يعرف باسم “جسر الجواسيس” كان يربط المنطقة الأميركية في برلين الغربية بمدينة بوتسدام في ألمانيا الشرقية سابقاً فوق نهر هافل.
وتعود أشهر عملية تبادل إلى عام 1986، حين أفرج عن المنشق السوفييتي البارز ناتان شارانسكي مقابل مواطن تشيكوسلوفاكي وزوجته متهمين بالتجسس لحساب موسكو.
وتريفور ريد طالب وعنصر سابق في مشاة البحرية الأميركية المارينز، حكمت عليه محكمة روسية في يوليو/تموز 2020 بالحبس تسع سنوات لإدانته بالاعتداء على شرطي تحت تأثير الكحول، وهو ما نفاه. وهو لا يحظى بأهمية شارانسكي ذاتها، والافراج عنه لن يترك تداعيات سياسية كبرى.
وقال العضو السابق في سفارة الولايات المتحدة بموسكو دونالد جنسن: “أعتقد أن أياً من الطرفين لا يريد فعلياً قطع العلاقات بشكل كامل”.
وأضاف مدير مركز الابحاث “معهد السلام” لشؤون روسيا وأوروبا، لوكالة “فرانس برس”: “فلنكن صريحين، تبادل سجناء مهم للعائلات، لكنه أمر طفيف نسبياً في مجال العلاقات الدولية”.
وكان تبادل السجناء على جدول الأعمال في القمة التي عقدها الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف في يونيو/حزيران 2021.
لكن الوقت الذي اختير في أوج الحرب في أوكرانيا يمكن أن يظهر أن بوتين لا يزال بإمكانه تسيير أعمال مع الولايات المتحدة، بحسب جنسن.
بالنسبة لروسيا، فإن مثل هذا التبادل الذي يذكر بالحرب الباردة هو مهم أيضاً “بالنسبة لصورتها بأن تكون على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، وبأنها تشكل مع الولايات المتحدة قوتين عظميين وإنهما تقرران مثل هذه الأمور”، كما أضاف جنسن.
وقال إن إدارة بايدن تعتبر من جهتها أن بإمكانها الحفاظ على الأقل على بعض العلاقات مع روسيا في مجالات أساسية، لا سيما الدبلوماسية المتعلقة بإيران.
أولوية دبلوماسية
إطلاق سراح سجناء أميركيين في العالم يشكل أولوية في السياسة الخارجية لجميع الإدارات الأميركية. وبالتالي، فإن مصير أميركيين تحتجزهم إيران حالياً يلقي بثقله على المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الدولي المبرم عام 2015 مع طهران.
في 2019، ورغم التوتر الشديد، توجه مسؤولون أميركيون وإيرانيون كبار إلى زيورخ للإشراف على تبادل آخر على مدرج المطار.
الشهر الماضي، ساعد وفد أميركي رفيع المستوى أيضاً في تأمين الإفراج عن أميركيين من حكومة معادية أخرى، فنزويلا.
هناك أميركيان آخران مسجونان في روسيا: بول ويلان مدير الأمن السابق لشركة قطع غيار سيارات، وبريتني غرينر لاعبة كرة السلة المتهمة بحيازة مخدرات. قد يحصل تبادل آخر من النوع ذاته.
وحصلت آخر عملية تبادل سجناء بين واشنطن وموسكو في عام 2010 في فيينا، وشملت آنا تشابمان، وهي شابة روسية كانت تقيم في نيويورك واعتقلت بتهمة التجسس، وسيرغي سكريبال وهو ضابط استخبارات روسي سابق وعميل مزدوج لبريطانيا.
وقد أثار تسميمه في 2018 في جنوب إنكلترا، حيث لجأ، أزمة دبلوماسية كبيرة مع روسيا التي نفت على الدوام أن تكون حاولت قتل الجاسوس السابق.
المصدر: فرانس برس
موضوعات تهمك: