كيف يمكن الوقوف بحزم ضد السياسة الإسرائيلية وإجراءات القمع والضم التي تمارسها ثم مد يد التعاون معها في نفس الوقت؟
حماية إسرائيل للمتطرفين اليهود ما هي إلا هدف متدرج للسيطرة على حرم المسجد الأقصى ويعلو لديها على أي إجراءات حقيقية للتهدئة.
عدم قيام دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني يعني محاولة تصفية إسرائيل لقضية فلسطين على حساب الأردن وشعب فلسطين معا.
التجاوزات الإسرائيلية بالمسجد الأقصى ليست حدثا عابرا أو استثنائيا لن يتم تكراره بل منظومة إسرائيلية كاملة للاستحواذ المتدرج على الأقصى وكامل أرض فلسطين.
تهديدات إسرائيلية وجودية للأردن، فإسرائيل لا تفتأ بين الفينة والأخرى لتستخدم موضوع تزويدها للأردن للغاز والمياه كعامل تهديد كلما اختلف الأردن مع سياساتها.
هل لدى الأردن خيارات أخرى؟ أم أن خيار التشبث بعملية سلمية من جانب واحد والتقارب الاقتصادي مع إسرائيل المنعزل عن مواقف إسرائيل السياسية والقمعية هو الخيار الوحيد؟
* * *
بقلم: مروان المعشر
تشهد مدينة القدس هذه الأيام تصعيدا إسرائيليا خطيرا يتمثل في اقتحامات يومية لقوات الاحتلال الإسرائيلية لحرم المسجد الأقصى في تحد واضح ليس فقط للجانب الفلسطيني، ولكن أيضا للدور الأردني في حماية المقدسات الإسلامية والدينية في القدس.
وقد حاول الأردن جاهدا استباق هذه الخطوات التصعيدية من جانب إسرائيل عن طريق لقاءات عدة بين الملك عبدالله الثاني ومسؤولين أردنيين مع عدد من المسؤولين الإسرائيليين قبل بداية شهر رمضان في محاولة للتهدئة وعدم التصعيد خلال الشهر الفضيل وذلك تجنبا لما كان يحصل من تصعيد في السنوات السابقة.
ولكن من الواضح أن لإسرائيل أهدافا أخرى تحاول تحقيقها، وأن حمايتها للمتطرفين الإسرائيليين ما هو إلا هدف متدرج للسيطرة على حرم المسجد يعلو لديها على أي إجراءات حقيقية للتهدئة.
من المفيد النظر إلى الصورة الكبيرة هنا. إذ أن التجاوزات الإسرائيلية في حرم المسجد الأقصى ليست حدثا عابرا أو استثنائيا لن يتم تكراره، بل هو جزء من منظومة إسرائيلية كاملة تهدف إلى الاستحواذ المتدرج ليس على المسجد الأقصى فحسب، ولكن على كامل الأرض الفلسطينية.
فالهدف المعلن للحكومة الإسرائيلية اليوم هو رفض الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة ورفض قيام دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني، وهي أهداف تصب مباشرة ضد المصلحة الوطنية الأردنية كما الفلسطينية، باعتبار أن المنطق يقول وبكل وضوح أن عدم قيام دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني يعني محاولة تصفية إسرائيل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن وشعب فلسطين في آن معا.
يعي الأردن ذلك بكل وضوح، ولذلك يحاول استخدام كافة الوسائل الدبلوماسية للوصول إلى سلام على أساس حل الدولتين حتى لا يأتي هذا الحل على حسابه. لكن لا بد من الاعتراف أننا وصلنا اليوم الى طريق مسدود مع إسرائيل يحتم علينا طرح أسئلة حول الاستراتيجية الأردنية للتعامل مع إسرائيل لا تبدو إجاباتها واضحة.
السؤال الأول هو حول مدى استدامة التقارب الاقتصادي مع إسرائيل في قطاعين حيويين كالطاقة والمياه وتوافق ذلك مع الاختلافات العميقة السياسية والأمنية والتي من المؤكد تطورها في السنوات القادمة لتصل حد التهديدات الوجودية للأردن، خاصة وأن إسرائيل لا تفتأ بين الفينة والأخرى لتستخدم موضوع تزويدها للأردن للغاز والمياه كعامل تهديد كلما اختلف الأردن مع سياساتها.
كيف يمكن الوقوف بحزم ضد السياسة الإسرائيلية وإجراءات القمع والضم التي تمارسها ثم مد يد التعاون معها في نفس الوقت؟
لا يبدو من المنطقي أو الممكن أن يستطيع الأردن تحقيق التوازن بين أهداف متناقضة تعمل عكس بعضها البعض. بل يبدو التقارب الاقتصادي مع دولة تعمل ضد المصلحة الوطنية الأردنية غير مفهوم على أقل تقدير، وفي حاجة الى شرح مقنع للناس خاصة مع ترداد الموقف الرسمي غير المقنع بانعدام الخيارات الاقتصادية الأخرى.
السؤال الثاني يتمحور حول نجاعة التشبث اللفظي، وإن كان صادقا وجادا، مع غالبية المجتمع الدولي، بحل الدولتين دون جهد حقيقي على الأرض لتنفيذه. إن الترجمة الفعلية لهذه السياسة، مع الفهم الكامل لما تحاول تحقيقه، هو إعطاء إسرائيل الوقت اللازم لخلق المزيد من الحقائق على الأرض التي تمعن في قتل هذا الحل. بعبارة اخرى، إن كان هدف الأردن كما المجتمع الدولي هو تحقيق حل الدولتين، فإن الأدوات المستخدمة لتحقيق هذا الحل تساهم في استحالته.
هل يأمل الأردن من خلال تعاونه الاقتصادي مع إسرائيل أن يحافظ على شعرة معاوية حتى تأتي حكومة إسرائيلية جديدة تكون أكثر اعتدالا وأكثر قبولا لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة؟ إن كان الأمر كذلك، فهل حقا هناك أي بوادر لأن تأتي هكذا حكومة في المستقبل المنظور؟
رئيس الوزراء الإسرائيلي تحت الانتظار «يائير لابيد» – هذا إن صمدت الحكومة الإسرائيلية – أعلن أنه لن يقوم بتحرك لإعادة العملية التفاوضية، كما صرح «بيني غانتس» زعيم حزب أزرق – أبيض أن الجانب الفلسطيني لا يستطيع بأن يأمل بأكثر من كيان فلسطيني لا يصل لمستوى الدولة.
أما حزب العمل، فقد اقترب من التلاشي ولا يعطي العملية السلمية أي اولوية. وبالطبع، إن عقدت انتخابات أخرى للكنيست وعاد نتنياهو للسلطة، فلا حاجة لذكر الوضع الكارثي على السلام وتأثيره على الأردن. واقع الحال اليوم أن الجانب العربي والدولي هو من يطالب بالدولة الفلسطينية ويتظاهر كأن العملية السلمية لا تزال قائمة، أما إسرائيل بغالبية أحزابها فقد تجاوزت هذه العملية بكال وضوح.
إن كافة الوقائع تشير أن أي حكومة إسرائيلية قادمة لا توجد لديها أي نية للانسحاب أو إقامة دولة فلسطينية، بل إن العمل جار لبناء المزيد من دعم المستوطنات وقتل اي فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني.
بلا شك أن الجهود الأردنية الرسمية الأخيرة وتأكيد دعمها للأهالي المقدسيين الصامدين في وجه الاحتلال الغاشم محمودة محليا وعربيا، ولربما في باطنها تؤمن أن هذه الصورة المرسومة غير مبالغ فيها وأنها اقرب للوضع الحالي. مع ذلك، هناك حاجة واضحة وملحة لأن يتم مناقشة الاستراتيجية الحالية بكل شفافية.
لا بد أن للأردن أسبابه في اتباع استراتيجية منتصف العصا لعلى وعسى، لكن هناك شكوكا لا يجب تجاهلها حيال فرص نجاح هذه الاستراتيجية. هل لدى الأردن خيارات أخرى؟ أم أن خيار التشبث بعملية سلمية من جانب واحد والتقارب الاقتصادي مع إسرائيل المنعزل عن مواقف إسرائيل السياسية والقمعية هو الخيار الوحيد؟
أعتقد أن الوقت قد حان لحوار وطني مسؤول حول هذه المسألة يتضمن مراجعة معمقة للعلاقة الأردنية الإسرائيلية ودراسة كافة الخيارات الممكنة بدلا من الاكتفاء بخيار يبدو حتى الآن عاجزا عن تحقيق الأهداف الأردنية سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي.
وفي رأي أن أية مراجعة للعلاقة الأردنية الإسرائيلية يجب أن تضع على رأس أولوياتها هدف دعم بقاء الفلسطينيين على ارضهم إضافة لرفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي، وأن أي سياسة لا تعمل من أجل هذين الهدفين لن تخدم الأهداف الأردنية والفلسطينية المتمثلة بإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني.
حان الوقت لمثل هذه المراجعة وهذا الحوار الوطني.
* د. مروان المعشر وزير الخارجية الأردني الأسبق، نائب رئيس مركز كارنيغي للأبحاث.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: