حصلت مصر على مدار العقود الماضية على ما قيمته أكثر من 80 مليار دولار من مساعدات بعضها اقتصادي وأغلبها عسكري.
عمق السادات علاقات القاهرة بواشنطن، ومن هذا المنطلق بدأت مفاوضات السلام مع إسرائيل، ووصلت لتوقيع معاهدة السلام 1979 برعاية واشنطن.
نقلت النخبة المصرية وجهتها إلى الولايات المتحدة بديلا عن فرنسا وبريطانيا كما أرسل الجيش المصري الكثير من ضباطه للتدريب والدراسة هناك.
شهدت العلاقات المصرية الأمريكية في عهد السادات فصلا جديدا بتعاون غير مسبوق ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان، والعداء للثورة الإسلامية في إيران.
امتدت علاقات القاهرة بواشنطن لمجالات مختلفة وشهدت صعودا وهبوطا تأثرا بأزمات الشرق الأوسط خاصة منذ تأسيس إسرائيل على تراب فلسطين شمال شرق مصر.
وصل التعاون العسكري المصري الأمريكي ذروة لم يتخيلها أحد عقب الغزو العراقي للكويت ومشاركة 40 ألف جندي مصري بجانب القوات الأمريكية ضد الجيش العراقي.
* * *
بقلم: محمد المنشاوي
قبل 100 عام، وتحديدا يوم 26 أبريل 1922 تلقى الملك أحمد فؤاد، حاكم مصر السابق، رسالة من الرئيس الأمريكي وارن هاردينغ، اعترفت فيها الولايات المتحدة رسميا باستقلال مصر عن بريطانيا.
وعلى مدار القرن الماضي، امتدت علاقات القاهرة وواشنطن لمجالات مختلفة، وشهدت فترات صعود وهبوط تأثرا بقضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط خاصة منذ تأسيس إسرائيل كدولة جديدة على التراب الفلسطيني المقابل للحدود الشمالية الشرقية لمصر.
وقبل تأسيس إسرائيل عام 1948 لم تعرف علاقات القاهرة بواشنطن نمطا محددا، فقد اعتبرت النخبة أثناء فترة الحكم الملكي في مصر الولايات المتحدة بعيدة بما يكفى ليتم تركيز علاقاتهم مع بريطانيا وفرنسا.
وتعلم أبناء النخبة المصرية في المدارس والجامعات الفرنسية والبريطانية، وارتبط الاقتصاد ورأس المال المصري بعواصم أوروبا الكبرى.
وبعد الاعتراف الأمريكي الفوري بدولة إسرائيل عام 1948 عند تأسيسها، وما تبعه من سيطرة الجيش المصري على الحياة السياسية وتأسيس الجمهورية المصرية بعد عام 1952 لجأت مصر لتسليح جيشها من دول الكتلة الشرقية.
وطورت مصر علاقاتها العسكرية والاقتصادية والتنموية بصورة كبيرة مع الاتحاد السوفياتى خلال العقود الأولى من فترة الحرب الباردة مع الولايات المتحدة وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي.
وخلال هذه الفترة التى امتدت لما يقرب من 20 عاما أرسلت مصر ضباطها والكثير من علمائها للتعلم في أكاديميات وجامعات دول أوروبا الشرقية. واعتمدت مصر في خططها التصنيعية الضخمة على الدعم السوفياتي، وكان بناء وإدارة السد العالي بالدعم السوفياتي شاهدا على عمق هذه العلاقات.
* * *
خلال تلك السنوات التى شهدت تنافسا أمريكيا ــ سوفيتيا في جميع أقاليم العالم على النفوذ ومصادر القوة، تحدثت الأدبيات العسكرية الأمريكية بأسى عن خسارة واشنطن مصر خلال تلك الفترة، وذلك بسبب ما تمثله من أهمية استراتيجية ومكانة رائدة قائدة بين الدول العربية.
وعندما فاجأ الرئيس السابق أنور السادات العالم بطرد الآلاف من الخبراء السوفيات الموجودين في مصر صيف 1972، كان رد الفعل الأمريكي دليلا كافيا للتعرف على ما تمثله مصر من أهمية لاستراتيجية واشنطن، فقد قال وزير الخارجية الشهير هنري كيسنجر «لو اتصل الرئيس السادات تليفونيا بواشنطن وطلب أي شيء قبل طرد الخبراء السوفيات من مصر لكان حصل على ما أراد، إلا أنه قدم هذا العمل الجليل لنا مجانا».
بعد حرب أكتوبر 1973 زاد إيمان السادات بأن مفاتيح حل صراع الشرق الأوسط وسبيل عودة أراضى مصر المحتلة في سيناء، وبقية الأراضى العربية، لا يمكن لها إلا أن تمر عبر بوابة واشنطن، معتقدا أن الولايات المتحدة تملك 99% من أوراق حل صراع العرب مع إسرائيل.
وعمق السادات من علاقات القاهرة بواشنطن، ومن هذا المنطلق بدأت مفاوضات السلام مع إسرائيل، ووصلت لتوقيع معاهدة السلام 1979 برعاية واشنطن. كما شهدت العلاقات المصرية الأمريكية فصلا جديدا بتعاون غير مسبوق تجاه مقاومة الغزو السوفياتي لأفغانستان، والعداء للثورة الإسلامية في إيران.
* * *
خلال سنوات حكم الرئيس السابق حسنى مبارك شهدت العلاقات المصرية الأمريكية تطورا كبيرا خلال التعاون في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ووصل التعاون العسكرى لذروته لدرجة لم يتخيلها أحد عقب وقوع الغزو العراقى للكويت عام 1990، ومشاركة ما يقرب من 40 ألف جندى مصرى إلى جانب القوات الأمريكية ضد الجيش العراقى، وهو ما دفع إدارة الرئيس جورج بوش الأب إلى إلغاء ما يقرب من 7 مليارات دولار من ديون مصر.
حرصت واشنطن خلال حكم مبارك على الحفاظ على ثلاثة أهداف علنية لتعاونها مع القاهرة؛ وهى التقدم في عملية السلام بالشرق الأوسط، والحفاظ على الاستقرار الإقليمى، والتصدى للإرهاب الدولى. ومقابل الخلاف الحاد مع إيران حدث تطور كبير في العلاقات المصرية الإسرائيلية.
ورغم ما أوحت به أحداث 11 سبتمبر الإرهابية للكثيرين باحتمال تغيير هذه الاستراتيجية الأمريكية، وما حاولت إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن القيام به من الضغط على بعض الأنظمة العربية، ومنها مصر، من أجل إحداث إصلاح ديمقراطي بعد أن أعلنت هذه الإدارة أن غياب الديمقراطية عن الشعوب العربية هو سبب تفريخ الإرهابيين. إلا أن هذه الاحتمالات تبخرت على صخرة المصالح الاستراتيجية لواشنطن.
ورغم التراجع الشكلي الذي حدث في العلاقات المصرية الأمريكية قبل تولى الرئيس أوباما الحكم خلال سنوات حكم جورج بوش، إلا أن هذا التراجع لم يمنع من استمرار مجالات التعاون الثنائي السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي.
ثم فاجأ وأربك الربيع العربي، خاصة بعد وصوله لمصر، أروقة صناع القرار في واشنطن، عرفت العلاقات بين الدولتين الكثير من التذبذب والتوتر خلال سنوات حكم المجلس العسكري وحكم الرئيسين السابقين محمد مرسى وعدلي منصور.
وامتد التوتر في العلاقات المصرية الأمريكية خلال سنوات حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى أن عادت إلى سابق عهدها مع حكم الرئيس دونالد ترامب واستمرت على نفس الحال خلال حكم الرئيس جو بايدن.
* * *
أظهرت مصر خلال العقود الأخيرة اهتماما خاصا بالعلاقات مع واشنطن، واعتبرتها أهم ملفات سياستها الخارجية. وأصبح من المعتاد خلال السنوات الأخيرة أن يترأس وزارة الخارجية المصرية دبلوماسيا ممن سبق لهم تمثيل مصر في واشنطن كما كان الحال مع الوزراء أحمد ماهر ومحمد العرابي ونبيل فهمي وسامح شكري.
ونقلت النخبة المصرية، في أغلبها، وجهتها إلى الولايات المتحدة بديلا من فرنسا وبريطانيا، وأرسلت أولادها للتعلم في بوسطن ونيويورك وشيكاغو بدلا من لندن وباريس.
كما أرسل الجيش المصري الكثير من ضباطه للتدريب والدراسة في الولايات المتحدة، وتزامن ذلك مع حصول مصر على مدار العقود الماضية على ما قيمته أكثر من 80 مليار دولار من مساعدات بعضها اقتصادي وأغلبها عسكري.
* محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشأن الأمريكي من واشنطن
المصدر: الشروق – القاهرة
موضوعات تهمك: