إن حربا عالمية تدور رحاها بالقرن 21 ستأخذ بالضرورة نفس الصورة التي كانت عليها الحربان العالميتان مطلع القرن العشرين.
المحافظون الجدد الذين كانوا وراء غزو العراق، وأغلبهم اليوم خارج دوائر السلطة، وإن ظلوا بالدوائر النافذة المؤثرة عليها، يدعون لتغيير النظام في روسيا!
أجرت الصين طلعات جوية وبحرية عسكرية حول تايوان عشية زيارة وفد الكونغرس للجزيرة ثم لليابان، اعتبرتها الصين استفزازا صريحا محذرة من أنها «مستعدة لاتخاذ إجراءات حاسمة».
رغم أن الغرب، بتمركزه حول الذات، يعتبر أن العالم كله يقف معه ضد روسيا، فإن أغلب دول الجنوب بإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية رفضت اتخاذ ذلك الموقف رغم الضغوط وتخشى خروجه عن السيطرة.
تحذير أمريكي للصين بسبب موقفها من حرب أوكرانيا ورفضها العقوبات المفروضة على روسيا وأن «موقف العالم الداعم لدمج الصين» في الاقتصاد العالمي «قد يتأثر» مما يعنى إجبار الشركات الصينية على إدانة روسيا ورفض التعامل معها.
* * *
حين كتبت في هذا المكان، منذ أسابيع، أننا نعيش بالفعل أجواء حرب عالمية، كنت أعلم أن اجتهادي مثير للجدل، وأنه مثل أي اجتهاد بشرى، يحتمل الخطأ والصواب. وقلت وقتها إنه لا يجوز اعتبار أن حربًا عالمية تدور رحاها بالقرن الحادي والعشرين ستأخذ بالضرورة الصورة نفسها التي كانت عليها الحربان العالميتان مطلع القرن العشرين.
فالتقدم الهائل الذي شهده العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لابد أن يجعل حروب القرن الجديد جد مختلفة. ومن خلال متابعتي لما يجرى بالعالم مازلت أعتقد أننا نعيش بدايات حرب عالمية.
انظر معى، عزيزي القارئ، للتصاعد المطرد داخل الولايات المتحدة للأصوات التي تقرع طبول الحرب مع روسيا. وصناعة السلاح الأمريكية تدفع، من خلال رجالها بالإعلام الأمريكي، نحو انخراط أمريكا المباشر بالحرب.
والمحافظون الجدد الذين كانوا وراء غزو العراق، وأغلبهم اليوم خارج دوائر السلطة، وإن ظلوا بالدوائر النافذة المؤثرة عليها، يدعون لتغيير النظام في روسيا!
ومنهم من يدعو لاغتيال الرئيس الروسي، كما فعل السيناتور ليندسي غراهام. وأقول أغلبهم، لأن إحداهم، فيكتوريا نيولاند، تشغل اليوم، منصب وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية.
وهى بطلة الفضيحة الشهيرة عام 2014 حين كانت مساعدة لوزير الخارجية في عهد أوباما. وقتها تسرب للإعلام نص المحادثة التليفونية التي أجرتها مع السفير الأمريكي بأوكرانيا، والتي استخدمت فيها تعبيرًا لا يجوز ترجمته هنا في وصف الاتحاد الأوروبي لرفضه دعم المظاهرات التي كانت جارية وقتها ضد الرئيس الأوكراني الذي تم خلعه فيما بعد.
وهو التعبير الذي اعتذرت عنه لاحقًا لممثلي الاتحاد الأوروبي. وكشفت المحادثة الدور الحيوي الذي لعبته أمريكا في الإطاحة بالرئيس الأوكراني ذي العلاقات الوثيقة بروسيا.
وإلى جانب قرع طبول الحرب ضد روسيا، يلمح المتابع مناخًا مكارثيًا يلاحق كل من يجرؤ على تقديم قراءة مختلفة لما يجرى بأوكرانيا. بل قام «تويتر» بحظر بعضهم، بمن فيهم سكوت ريتر، الذي كان مسؤولًا استخباراتيًا أمريكيًا، ثم عمل بالأمم المتحدة في مجال الحد من التسلح.
ولا يجوز غض الطرف عن التصعيد الجاري بين أمريكا والصين. ففي خضم التوقعات بانخفاض معدل نمو التجارة العالمية بمقدار النصف، وجَّهت وزيرة المالية الأمريكية تحذيرا للصين بسبب موقفها من حرب أوكرانيا، ورفضها العقوبات المفروضة على روسيا، قائلة إن «موقف العالم الداعم لدمج الصين» في الاقتصاد العالمى «قد يتأثر»، وهو ما يعنى إجبار الشركات الصينية على إدانة روسيا ورفض التعامل معها.
وقد اتخذت الصين فورًا إجراءات مضادة لحماية شركاتها. وكبريات الصحف الأمريكية، بما فيها «واشنطن بوست»، تشنُّ حملة ضارية على الصين، بل وتدعو لحظر الصينيين على وسائل التواصل الاجتماعي.
والصين قامت بطلعات جوية وبحرية عسكرية حول تايوان عشية زيارة وفد من الكونغرس للجزيرة ثم لليابان، اعتبرتها الصين استفزازًا صريحًا، محذرة من أنها «مستعدة لاتخاذ إجراءات حاسمة».
وبينما تُوجه الولايات المتحدة اتهامات لروسيا باستخدام الأسلحة الكيماوية في حربها ضد أوكرانيا، تطالب الصين أمريكا بنشر تفاصيل عن منشآتها لتطوير الأسلحة البيولوجية على الأرض الأوكرانية.
يأتى ذلك بعد أن كانت فيكتوريا نيولاند، نفسها لا غير، قد صرحت الشهر الماضى بأن بلادها تعمل على حماية السلاح البيولوجي «الأوكراني»، ومنع وقوعه في أيدى الروس، فيما اعتُبر اعترافًا أمريكيًا بدورها في تطويره!
ورغم أن الغرب، بتمركزه حول الذات، يعتبر أن «العالم كله» يقف معه ضد روسيا، فإن أغلب دول الجنوب بإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية رفضت اتخاذ ذلك الموقف، رغم الضغوط، وتخشى خروجه عن السيطرة.
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي
المصدر: المصري اليوم
موضوعات تهمك: