حالة من الاحتباس السياسي وعجز الأحزاب السياسية على صياغة مشاريع جديدة تقطع مع الثنائية الأيديولوجية القديمة بين اليسار واليمين.
وصول اليمين المتطرف إلى السلطة ليس إلا حيلة قديمة لحصر الرئاسة في المعسكر اليميني باستبعاد المرشح اليساري من الدور الأول.
العلاقات القوية التي تربط مارين لوبان بالرئيس الروسي بوتين لن تكون في صالح مرشحة اليمين المتطرف خلال الدور الثاني.
يرى مراقبون كثر مارين لوبان أفضل منافس لماكرون لأن الناخب الفرنسي لن يقبل بحكومة يمينية متطرفة تُدخل فرنسا المختنقة طورا مجهولا من أطوارها السياسية.
سيفوز ماكرون بالدور القادم وهو الذي انطلق منذ أمس في حملته الانتخابية نحو الخط النهائي مستميلا قوى اليمين واليسار ومحذّرا من خطورة اليمين المتطرف.
* * *
بقلم: محمد هنيد
لم تكن نتائج الدور الأول من الانتخابات الفرنسية مفاجأة كبيرة باستثناء الفارق الضئيل الذي كان يفصل مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان عن المنافس الثالث الاشتراكي «جون لوك ميلانشون».
أعاد الناخب الفرنسي ثقته المتواضعة في الرئيس الحالي ماكرون بنسبة قاربت الثلاثين في المائة كما صوت الفرنسيون بكثافة استثنائية لمرشحة اليمين المتطرف في مشهد يذكّر بانتخابات 2002 عندما أطاح عميد اليمين المتطرف «جون ماري لوبان» بالاشتراكي «ليونيل جوسبان» في الدور الأول.
في الدور الثاني انتصر اليميني شيراك على منافسه لوبان (والد المرشحة الحالية) بفارق هام ليحسم حظوظ مرشح أقصى اليمين في الفوز برئاسة الجمهورية وهو الأمر المنتظر في الدور الثاني للانتخابات الحالية.
إن حظوظ الرئيس الحالي ماكرون كبيرة جدا في الفوز بمدة رئاسية ثانية لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بالساحة الفرنسية الداخلية نفسها ومنها ما يتعلّق بالعوامل الخارجية وخاصة منها الحرب على أوكرانيا والعلاقات القوية التي كانت تربط مارين لوبان بالرئيس الروسي بوتين.
هذه العلاقة لن تكون في صالح مرشحة اليمين المتطرف خلال الدور الثاني وهو ما يجعل من المرشح ماكرون الأوفر حظا للفوز، بل إن كثيرا من المراقبين يرون فيها أفضل المنافسين له لأن الناخب الفرنسي لن يقبل بحكومة يمينية متطرفة قد تُدخل فرنسا المختنقة في طور مجهول من أطوارها السياسية.
من جهة أخرى عجز المرشح «إيريك زمور» عن تجاوز عتبة العشرة في المائة من أصوات الناخبين وهي النسبة التي من المرجح أن تذهب لصالح مرشحة اليمين المتطرف في الدور الثاني مما قد يقوّي حظوظها في تحقيق نسبة عالية.
لكن الفشل الأكبر هو الخسارة التي تكبدها الحزب الاشتراكي بفارق ضئيل عن المنافس الثاني بسبب تشتت قوى اليسار وأحزاب الخُضر القريبة منه وهي النسبة التي كانت ستكفي المرشح الاشتراكي لبلوغ الدور الثاني ومنافسة ماكرون اليميني على رئاسة الجمهورية منافسة حقيقية.
دون مفاجأة كبرى فإن الرئيس الحالي سيفوز بالدور القادم بسهولة وهو الذي انطلق منذ أمس في حملته الانتخابية نحو الخط النهائي محاولا استمالة قوى اليمين واليسار محذّرا من خطورة وصول اليمين المتطرف إلى السلطة.
وهو الأمر الذي يعكس حالة من الاحتباس السياسي وعجز الأحزاب السياسية على صياغة مشاريع جديدة تقطع مع الثنائية الأيديولوجية القديمة بين اليسار واليمين لأنّ وصول اليمين المتطرف إلى السلطة ليس إلا حيلة قديمة لحصر الرئاسة في المعسكر اليميني باستبعاد المرشح اليساري من الدور الأول.
* د. محمد هنيد أستاذ محاضر في العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس.
المصدر: الوطن – الدوحة
موضوعات تهمك: