المشهد بدا على صورته تلك وكأنهم يدفعون الأحداث تخطيطاً نحو غاية محددة.
تساؤلات أمريكية عما إن كان سلوك إدارة بايدن قد زاد من احتمالات الحرب ودفعت روسيا لاتخاذ قرار الحرب على أوكرانيا.
صحيح أن اقتحام حدود دولة أخرى بعمليات عسكرية يسقط فيها ضحايا بلا ذنب أمر غير مقبول، لكن لعبة الأمم كانت تحرك الأمور لتصل إلى ما وصلت إليه.
هناك موقف إدارة بايدن والمؤيدين له وهو معلن ومعروف والموقف الثاني يلقي على أمريكا الدولة، مسؤولية دفع بوتين للجوء للعمل العسكري في أوكرانيا.
* * *
بقلم: عاطف الغمري
يتدافع في قلب المشهد الأمريكي الراهن، اتجاهان لكل منهما موقف مخالف للآخر من الأزمة مع روسيا. فهناك الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية، والمؤيدين له، وهو معلن ومعروف. والموقف الثاني يلقي على أمريكا الدولة، مسؤولية دفع بوتين للجوء للعمل العسكري في أوكرانيا.
وهذا الاتجاه يتبنّاه أصحاب رأي وشخصيات سياسية مرموقة، ومراكز إعلام وصحف قوية. وهؤلاء مرتبطون تاريخياً بالإدارة الأمريكية ومتعاطفون معها على طول السنين.
ومن هنا ننظر إلى ما يجرى هناك عن بعد، في تأمل لهذا المشهد غير المألوف.
تشخيص أصحاب الاتجاه الثاني للأزمة مع روسيا، لهم نظرة ترى أن حلقات التاريخ تكمل بعضها، من ثم فإنهم رجعوا إلى أحداث سبقت الحرب في أوكرانيا، واعتبروا أنها كانت تمهد للحرب بعد ذلك.
أمامنا شخصية ويليام بيرنز المدير الحالي لوكالة المخابرات المركزية في إدارة جو بايدن. وكان في وقت سابق سفيراً لأمريكا في موسكو. في 2008 بعث بيرنز برسالة إلى حكومته يحذر فيها من توسع حلف الناتو إلى جوار روسيا، وأن ذلك يمثل من وجهة نظر موسكو خطاً أحمر.
الكاتب البارز في صحيفة «نيويورك تايمز»، توماس فريدمان، التقى في عام 1998 مع الدبلوماسي الشهير جورج كينان، صاحب نظرية الاحتواء التي تبنتها الولايات المتحدة مبدأ لاستراتيجيتها العالمية في الصراع مع الاتحاد السوفييتي.
وسأله عن رأيه في توسع حلف الناتو، وكانت إجابة كينان هي: إن روسيا سيكون لها رد فعل مناوئ لهذه الخطوة، وأن توسع الناتو سيحدث تأثيراً على السياسة الروسية، وسوف يكون تصرف الناتو خطأً مأساوياً، ويمكن أن يقود إلى حرب باردة جديدة.
وبالرغم من هذه التحذيرات فقد استمر توسع الناتو بانضمام بولندا، والمجر، وجمهورية التشيك في عام 1999. وفي عام 2004 لحقت بها بلغاريا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا.
صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت عن خبراء في السياسة الأمريكية، أنهم حذروا في 12-6-2021 من هجوم روسي على أوكرانيا، لكن الأمين العام للناتو ينس ستوتلنبيرغ أعلن في عام 2008 عن خطط لضم أوكرانيا للناتو.
وأمام هذه التطورات كان موقف إدارة بايدن ملتوياً وغير مباشر، في تأييد أحقية أوكرانيا في الانضمام للناتو، واختيار الترتيبات الخاصة بأمنها وتحالفاتها.
وقالت «نيويورك تايمز» إن الخبراء أوضحوا أن روسيا قلقة من احتمالات حدوث انقسامات شديدة في أوكرانيا، لأن بها مواطنين من أصول روسية يرفضون عضوية بلدهم للناتو. ويمكن أن يؤدى ذلك إلى أعمال عنف، وربما حرب أهلية بينهم وبين المؤيدين لعضوية الناتو، وعندئذ ستقرر روسيا ما إذا كانت ستتدخل، وهو قرار لا ترغب فيه.
وتساءلت «النيويورك تايمز» عما إذا كانت أمريكا قد دفعت روسيا إلى اتخاذ قرار الحرب على أوكرانيا.
ورغم أن دول أوروبا كانت منقسمة حول إمكان انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، فإن مسؤولين في الحلف اتخذوا موقف العناد، والتمسك ببقاء باب الحلف مفتوحاً.
وبالرغم من عدم انضمام أوكرانيا رسمياً للناتو إلا أنه قد بدا وكأنها صارت عضواً كأمر واقع.
ظلت روسيا تتابع هذه التطورات المتلاحقة، وفى ديسمبر 2021 ألقى بوتين خطاباً أمام كبار القادة العسكريين أعرب فيه عن قلقه مما يحدث.
أناتول ليفين الباحث بمعهد كوينسى كتب مقالاً نشرته مجلة «ذا نيشن» الأمريكية تحدث فيه عن دور أوكرانيا فيما جرى. وقال: لسوء الحظ أن حكومة أوكرانيا رفضت تنفيذ البند الخاص في اتفاق «مينسك» الخاص بالحكم الذاتي في إقليم دونباس، والذي أيده بوتين.
وكانت روسيا وأوكرانيا قد اتفقتا عام 2015 على إعطاء الحكم الذاتي للإقليم، وهو ما أدى إلى وقف إطلاق النار في حرب أهلية راح ضحيتها الآلاف، ومع ذلك لم يحدث أي ضغط من الغرب على أوكرانيا لتغيير موقفها، ولم تأت أي إشارة من جانب أمريكا للتنديد بامتناع المسؤولين الأوكرانيين عن تنفيذ اتفاق السلام.
وفي ديسمبر 2021 راقبت وكالات المخابرات الأمريكية ما يحدث على الأرض، واعتبرته حشداً لقوات روسية على حدود أوكرانيا، بنية مهاجمتها. وحتى ذلك الوقت كان بوتين واضحاً في السير في طريق عدم التصعيد، ودعوته للغرب للتوقف عن توسع الناتو، والتفاوض حول حياد أوكرانيا، واستمرت وزارة الخارجية الأمريكية في عدم قبول أو مساومة بشأن سياسة الباب المفتوح لحلف الناتو.
صحيفة «وول ستريت جورنال» تساءلت عما إذا كان سلوك إدارة بايدن قد زاد من احتمالات الحرب.
المشهد بدا على صورته تلك وكأنهم يدفعون الأحداث تخطيطاً نحو غاية محددة. صحيح أن اقتحام حدود دولة أخرى بعمليات عسكرية يسقط فيها ضحايا بلا ذنب أمر غير مقبول، لكن لعبة الأمم كانت تحرك الأمور لتصل إلى ما وصلت إليه.
* عاطف الغمري كاتب صحفي مصري
المصدر: الخليج – الدوحة
موضوعات تهمك: