عزوف المواطن الفرنسي عن المشاركة في الانتخابات يتعزز أكثر فأكثر، بالمقارنة أيضاً مع الانتخابات المحلية البلدية الأخيرة.
ساهم ماكرون في توطيد صعود اليمين العنصري في سياق إضعاف اليمين التقليدي الديغولي والتغاضي عن نزوعات أكثر تشدداً في صفوف أقصى اليمين.
أقصى اليمين القومي الذي مثلته لوبان صحبة يمين عنصري وانعزالي قاده إريك زمور نال أكثر من ثلث الأصوات مجتمعة وهي النتيجة الأعلى في تاريخ فرنسا الحديث.
أفول الأحزاب التقليدية التي حكمت فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، فمرشحة اليمين الجمهوري الديغولي انتهت لفشل ذريع وأحرزت مرشحة الحزب الاشتراكي 1,7% من الأصوات.
* * *
لم تسفر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية عن مفاجآت تخالف ما كانت استطلاعات الرأي قد استقرت عليه في وقت مبكر من فتح باب الترشيح وانطلاق الحملات، فصعد إلى الدور الثاني الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون ومنافسته مارين لوبان مرشحة حزب «التجمع الوطني» وأقصى اليمين.
كذلك لم يدخل في عداد المفاجأة أن نسبة الإقبال على التصويت في هذه الجولة الأولى بلغت 65%، منخفضة عن نسبة الانتخابات الرئاسية لعام 2017 التي بلغت 69.4%.
ولعل هذا هو الدرس السياسي الأول الذي يمكن استخلاصه من هذه الجولة، في أن عزوف المواطن الفرنسي عن المشاركة في الانتخابات يتعزز أكثر فأكثر، بالمقارنة أيضاً مع الانتخابات المحلية البلدية والمناطقية التي جرت خلال السنوات القليلة المنصرمة، وبالمقارنة أيضاً مع انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة. وتتضح هذه الظاهرة أكثر إذا وُضعت في الاعتبار حقيقة أن ثلاثة فقط من 12 مرشحاً رئاسياً نجحوا في تجاوز نسبة الـ20%، بينما عجز ثمانية مرشحين عن حيازة نسبة الـ5% التي تجيز للدولة تعويضهم عن المصاريف المالية للحملة.
الدرس الثاني والأهم سياسياً واجتماعياً وإيديولوجياً هو أن أقصى اليمين القومي الذي مثلته لوبان صحبة يمين عنصري وانعزالي قاده إريك زمور نال أكثر من ثلث الأصوات مجتمعة، فحقق بذلك النتيجة الأعلى ليس خلال 64 سنة من عمر الجمهورية الخامسة وحدها بل على امتداد تاريخ فرنسا الحديث بأسره.
وقد يجادل البعض بأن الرئيس ماكرون ساهم شخصياً في توطيد هذا الصعود ضمن سياق محاولة منه لإضعاف اليمين التقليدي الديغولي من جهة أولى، والتغاضي عن نزوعات أكثر تشدداً تنامت في صفوف أقصى اليمين من جهة ثانية.
ويتجلى الدرس الثالث في أفول الأحزاب التقليدية التي تعاقبت تاريخياً على حكم فرنسا ما بعد الحرب العالمية الثانية، فمرشحة اليمين الجمهوري الديغولي انتهت إلى فشل ذريع وحلّت في الترتيب الخامس بعد مرشح أقصى اليمين العنصري، وفي المقابل لم تحرز مرشحة الحزب الاشتراكي وعمدة العاصمة باريس إلا 1,7% من الأصوات.
وهذا مصير لا يعود فقط إلى انفضاض الناخبين عن قوى وائتلافات جرى تجريبها في الحكم وخضعت بالتالي إلى مبدأ الحساب والعقاب، بل يتصل أيضاً بإفلاس برامج هذه الأحزاب على أصعدة اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية.
بهذا فإن الجولة الثانية من الرئاسيات الفرنسية سوف تبدو أشبه بإعادة لجولة 2017 بين لوبان وماكرون، التي أسفرت عن فوز الأخير بنسبة 66,6%، مع فارق حاسم هو أن «الجبهة الجمهورية» التي تشكلت يومذاك خلف ماكرون لقطع الطريق على فوز مرشحة أقصى اليمين لا تبدو هذه المرة مضمونة بمقدار كاف.
السبب الأبرز في هذا أن شرائح شعبية لا يستهان بها باتت ترفض برامج الرئيس الحالي الليبرالية والوسطية وما يخص توطيد القدرة الشرائية وتأخير سن التقاعد وغيرها من توجهات أكسبته لقب «رئيس الأغنياء»، وقد تجنح بالتالي إلى مقاطعة صناديق الاقتراع أو حتى التصويت لصالح لوبان.
ولهذا يُفهم بسهولة أن خطاب الانتصار الذي ألقاه ماكرون كان طافحاً بالتشديد على أن اللعبة لم تنته بعد، لأنها كذلك بالفعل والاحتمالات مفتوحة.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: