ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، بمبادرات الشعب الفلسطيني لإبعاد إخوتهم بسورية عن حافة الجوع وهاوية الحرمان.
لم ولن يحس بالجائع والمقهور أكثر ممن كابد الجوع ويعاني الظلم والقهر منذ عقود. نقطتان تؤخذان عادة بالاعتبار، وقت الحديث عن المساعدات الإنسانية.
أن تأتي المساعدات بمبادرات أهلية، بعد شعور الشعوب بمآسي أشقائها، فهي ما يضفي على المساعدات، قيماً معنوية وإنسانية، تفوق القيمة المادية للمساعدات.
* * *
بقلم: عدنان عبدالرازق
الخبر: أرسلت لجنة التواصل بعرب 48 بالأراضي الفلسطينية المحتلة، 12 ألف سلة غذائية إلى مدينة السويداء جنوبي سورية.
الحدث: ليست المرة الأولى، وعلى الأرجح لن تكون الأخيرة، بمبادرات الشعب الفلسطيني لإبعاد إخوتهم بسورية عن حافة الجوع وهاوية الحرمان.
وأما العبرة، فلم ولن يحس بالجائع أكثر ممن كابد الجوع ولن يشعر بالمقهورين أكثر ممن يعاني الظلم والقهر منذ عقود. نقطتان تؤخذان عادة بالاعتبار، وقت الحديث عن المساعدات الإنسانية.
ربما الأولى من أين جاءت المساعدات، حكومية، أهلية أو منظمات دولية، وما مدى الغائية من هاتيك المساعدات، بعد أن غدت جلّ المساعدات الدولية، أقرب للمصيدة وإيقاع المناطق المنكوبة بفخاخ الترهل والتبعية، أو الإلهاء عن حل أسباب مجاعتهم، وتحويل قضيتهم إلى جوع ونزوح وتسوّل.
ويتفرع عن هذي النقطة ربما، شكل وطرق توزيع المساعدات، بعد أن أخذ معظمها، شكل الشللية وتبادل المنافع، أو الترويج للجهة المساعدة، عبر أساليب إعلامية، فجة ومباشرة لا تخلو من طرائق إذلال المحتاجين.
وأما النقطة الثانية التي عادة ما يتم الوقوف عليها، فهي حجم المساعدة بالنسبة لما يمتلكه الطرف المساعد، فأن يتبرع إنسان يمتلك مئة دولار بتسعين منها، فهي أكبر، نسبة، من مساعدات أممية بملايين الدولارات، أو معونة من أشقاء البترو دولار، لا ترقى لحجم تكاليف إنتاج برنامج تلفزيوني رمضاني تافه.
وأن تأتي المساعدات بمبادرات أهلية، بعد شعور الشعوب بمدى مآسي أشقائها، فهي ما يضفي على المساعدات، قيماً معنوية وإنسانية، تفوق معظم الأحايين، القيمة المادية للمساعدات، لترتقي هاتيك المساعدات لتسطّر بسجلات التاريخ، حينما يؤثر الشعب المساعد على نفسه، ليخفف من مآس يصارعها سواه.
بالأمس، وفي عز معاناة اللاجئين السوريين من برد الشتاء ونقص الوقود والغذاء، رأينا الشاب الفلسطيني، إبراهيم خليل يتابع، بالتعاون مع جمعية القلوب الرحيمة الفلسطينية، ما بدأه فريق “ملهم” بمبادرة “حتى آخر خيمة” عبر حملة “بيت بدل خيمة” ليجمع نحو مليون دولار، جاء جلها من فقراء الأرض المحتلة وحلي النساء الفلسطينيات، ليتمم ما بدأته “القلوب الرحيمة” وقت سبقته ببناء 1700 شقة سكنية للنازحين شمالي غرب سورية.
ولم تُغلّ الأيادي الفلسطينية البيضاء، بل تابع المقهورون نجدة المقهورين، فجمعت الجمعية 10 ملايين دولار، جهزوا بها 80 قافلة، أمدت مخيمات عار العصر الحديث، بنحو 1280 طن وقود تدفئة و300 طن طحين و3000 عازل مطري للمخيمات و1300 سلة غذاء ونظافة. دخلت شمال غرب سورية في شباط الماضي، من معابر جرابلس وباب الهوى واعزاز والباب التي تسيطر عليها المعارضة السورية.
واليوم، أنهت لجنة الإغاثة بمحافظة السويداء، توزيع 12 ألف سلة غذائية مقدمة من الفلسطينيين عن طريق لجنة التواصل الدرزية عرب 48، لتسد عورة نظام الأسد بمنطقة تحت سيطرته، وتعرّي عجزه عن توفير أبسط مقومات الحياة، لأسرى بسجن كبير، ممنوعون حتى من الشكاية، بعد تجريم من ينتقد الوضع المعيشي، بسيف قانون “النيل من هيبة الدولة” الجديد.
نهاية القول: قد يزيد التوقيت، من قيمة وأهمية المساعدات الفلسطينية للشعب السوري، ففي خضم تضخم الأسعار وتراجع المعروض السلعي عالمياً، نرى “شعب الجبارين” يستمر بالإيثار ومساعدة السوريين، ولو على حساب لقمته ودفئه.
وبالزمن الذي تناسى العالم، والأشقاء أولاً، مأساة السوريين الذين تطلعوا يوماً للحرية والعدالة بتوزيع الدخل، بل ويسارعون لإعادة إنتاج نظام الأسد، آثر الفلسطينيون، ولو بأضعف الإيمان، تقديم الكثير من قليلهم المتاح.
وفي حين تنسحب معظم حكومات دول العالم، من دعم شعوبها، رأينا الشذوذ الإيجابي لفلسطينيي الداخل، ليردوا، كما جاءت بتصريحات الجمعية والمتبرعين، ما حمله وفاؤهم من صنائع السوريين منذ نكبة الاحتلال، بوقت للأسف، تعاظم خلاله نكران الجميل وتتالت الضربات على السوريين وقضيتهم، حتى ممن أحسنوا إليهم.
* عدنان عبد الرزاق كاتب صحفي اقتصادي
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: