الولايات المتحدة قد حنثت بتعهدها لغورباتشوف، عشية انهيار الاتحاد السوفياتي، بعدم تمدد حلف الناتو نحو الشرق الأوروبي.
الأزمات الدولية لحظات كاشفة تدفعنا لمواجهة التناقضات التي نضمرها بداخلنا ونسعى لتفكيكها صدقاً مع النفس قبل الصدق مع الآخرين.
يمكن أن نعي الأسباب التاريخية وراء الغزو دون أن يعني ذلك تبريره أوالقبول بتدمير أوكرانيا فالسبب الجوهري للغزو هو السعي الأمريكي لضم أوكرانيا لحلف الناتو.
الأهم هو الصدق مع الذات واتساق المواقف فإذا كنت ضد الغزو فأنت ضد كل غزو لدولة أخرى وإن كنت مع حق اللاجئين فأنت مع حقوق اللاجئين من كل عرق ولون.
حين تكون مع حق الأوكران في الدفاع عن بلادهم واستقلالها، بإمكانك أن تكون كذلك ضد دور التنظيمات الأوكرانية الفاشية المشتركة في الدفاع عن أوكرانيا.
ثمة تنظيمات فاشية ونازية أوكرانية تشارك في المعركة ضد الروس مثل «آزوف» التي تعلن أنها تهدف لإنقاذ أوروبا «البيضاء» من اليهود والمهاجرين غير البيض.
* * *
بقلم: منار الشوربجي
إذا أردت أن تتخذ موقفاً من الحرب الدائرة في أوكرانيا، عليك أولاً بتفكيك المشهد.
فالأزمات الدولية الكبرى تحفل بالضرورة بتعقيدات وتناقضات تفرض على المرء الإلمام بأبعادها ووعياً بما تنطوى عليه من معضلات أخلاقية كبرى. ومثلها مثل كل القضايا الدولية، أنت لست مضطراً لتبني موقفاً حدياً من نوع مع أو ضد بالمطلق.
فالأهم هو الصدق مع الذات واتساق المواقف. فإذا كنت، مثلاً، ضد الغزو، فإنك ضد كل غزو لأراضي دولة أخرى. وإن كنت مع حق اللاجئين فلا بد أنك مع حقوق اللاجئين من كل عرق ولون.
وقد تكون العبارة السابقة هي نقطة البدء في تفكيك ذلك الحدث الدولي البائس الذي يعيشه العالم اليوم وللتروي قبل القفز للنتائج. فالاستقامة الفكرية والالتزام الأخلاقي يحتاجان منا أن نسبر غور نفوسنا. فأنت مثلاً بإمكانك أن تكون ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، دون أن تكون بالضرورة متفقاً مع النفاق الغربي بشأن ذلك الغزو.
فأنت حين تكون ضد غزو أوكرانيا، كونه يمثل غزواً من دولة لأراضي دولة أخرى وتدميرها وتشريد أهلها، فإنك بالضرورة كنت ترفض الغزو الأمريكي لفيتنام وأفغانستان والعراق.
ولا بد أنك تدرك أن العقوبات التي فُرضت اليوم على روسيا لم يحدث أن فرضها المجتمع الدولي على الولايات المتحدة في غزواتها المتعددة خارج حدودها. والسبب ببساطة هو طبيعة النظام الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية ويخدم أهدافها ومصالحها بالدرجة الأولى.
وبإمكانك أن تعي الأسباب التاريخية وراء الغزو دون أن يعني ذلك بالضرورة أنك تبرره أو تقبل بتدمير أوكرانيا. فالسبب الجوهري للغزو هو السعي الأمريكي لضم أوكرانيا لحلف الأطلنطي. فليس خافياً أن الولايات المتحدة قد حنثت بتعهدها لغورباتشوف، عشية انهيار الاتحاد السوفياتي، بعدم تمدد حلف الأطلنطي نحو الشرق الأوروبي.
فما إن تفكك الاتحاد السوفياتي حتى راح الحلف يتمدد شرقاً حتى وصل لحدود روسيا ولم يتبقَ سوى أوكرانيا حتى يحاصر حلف الأطلنطي روسيا من كل جانب. وروسيا اعتبرت ذلك التقدم نحو مجالها الحيوي تهديداً وجودياً لأمنها القومي.
وأنت حين تتعاطف مع المأساة الحقيقية التي يعيشها المدنيون بأوكرانيا اليوم، فهذا لا يعني أنك تقف صفاً واحداً بالضرورة مع التغطية الإعلامية العنصرية لكبرى الصحف والقنوات الإخبارية الغربية التي عبرت صراحة وضمناً عن أن اللاجئين من غير البيض أدنى إنسانية من الأوكران البيض الأوروبيين.
وأنت حين تتعاطف مع اللاجئين الأوكران وتقر بحقهم في اللجوء لدول أخرى هرباً من ويلات الحرب، فإنك بالضرورة تعاطفت مع كل لاجئ اضطر للهرب قبله، بغض النظر عن لون بشرته، من الصوماليين للأفغان ومن العراقيين للسوريين وغيرهم حول العالم.
وحين تكون مع حق الأوكران في الدفاع عن بلادهم واستقلالها، فإن بإمكانك أن تكون في الوقت ذاته ضد دور التنظيمات الأوكرانية الفاشية المشتركة في الدفاع عن أوكرانيا. فليس خافياً أن تنظيمات فاشية ونازية أوكرانية عدة تلعب دوراً مهماً في المعركة ضد الروس.
ومن بين تلك المنظمات تلك المعروفة باسم «آزوف» وهي منظمة تقول علناً إنها تهدف لإنقاذ أوروبا «البيضاء» من اليهود والمهاجرين من غير البيض.
وتلك لغة تأتي مباشرة من قاموس النازية الأوروبية. وتستقطب تلك التنظيمات المنتمين لمنظمات تفوق البيض في أوروبا وأمريكا الشمالية الذين يسافرون اليوم لأوكرانيا ويحاربون في صفوفها ويطلقون على أنفسهم اسم «المتطوعين الأجانب».
وبإمكانك أن تكون ضد تلك المنظمات دون أن يعني ذلك أنك تتفق مع الدعاية الروسية التي تزعم أن الغزو هدفه الأساسي هو تحرير أوكرانيا من النازية.
القضية باختصار أن الأزمات الدولية تكون بمثابة لحظات كاشفة تدفعنا لمواجهة التناقضات التي نضمرها بداخلنا ونسعى لتفكيكها صدقاً مع النفس قبل الصدق مع الآخرين.
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي.
المصدر: المصري اليوم
موضوعات تهمك: