يتطلب منح الضمانات الأميركية نشر قوات عسكرية وقيادة منسقة لأجل أن تكون ذات مصداقية.
لا يُرجّح أن تقدم الولايات المتحدة بنهاية المطاف أي ضمانات أمنية ملزمة من التي تطلبها أوكرانيا.
تقدم أوكرانيا طلبات تعرف عدم قدرة الأطراف الأخرى على تلبيتها كما جرى مع طلب طائرات مقاتلة أو فرض منطقة حظر طيران أو الضمانات الأمنية.
كلما كان الضمان أقوى وأكثر تحديدا كانت الدول أكثر ترددا في التوقيع عليه فضمان أمن أوكرانيا يجعلك توقّع على حرب محتملة ضد روسيا إذا فشل الردع!
إدارة بايدن تدعم جهود كييف للتفاوض على إنهاء الحرب لكن يبدو أن الضمانات الأمنية تتطلب التزام أميركا بخوض الحرب دفاعا عن أوكرانيا المحايدة إذا انتهكت روسيا حيادها.
* * *
بقلم: محمد المنشاوي
تدرس الولايات المتحدة وحلفاؤها كيف يمكن للغرب أن يوفر لأوكرانيا ضمانات أمنية بديلة إذا تخلت عن محاولتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” NATO في تنازل لروسيا، من أجل إنهاء الحرب ووقف القتال. ومن غير المرجّح أن تقدم الولايات المتحدة في نهاية المطاف أي ضمانات أمنية ملزمة من التي تطلبها أوكرانيا.
وتهرّب مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان من الإجابة على سؤال يتعلق بتقديم واشنطن ضمانات أمنية تطلبها كييف في إطار سعيها للتوصل لإطلاق وقف النار مع الجانب الروسي.
وخلال ظهوره أمس الاثنين في الإفادة الصحفية اليومية للبيت الأبيض، رفض سوليفان الإجابة عن سؤال حول ما قاله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ببرنامج “واجه الأمة”، الأحد الماضي، عندما أكد “أنه في ما يتعلق بأي اتفاق سلام محتمل، فإن الشيء المهم في هذا الاتفاق هو الضمانات الأمنية، والولايات المتحدة لم تقدم أي شيء بعد”.
ورد سوليفان بالقول “أنا شخصيا على اتصال شبه يومي مع نظيري في الحكومة الأوكرانية. ونحن نتحدث باستمرار عن كيفية دعم حل تفاوضي يدافع عن سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية. وأبلغناهم بأننا مستعدون للقيام بدورنا لدعم ذلك، بما في ذلك تمكين أوكرانيا من امتلاك الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها في المستقبل”.
ولم يفاجئ تهرب سوليفان -من الرد على سؤال طلب الحكومة الأوكرانية لضمانات أمنية تشارك فيها الولايات المتحدة- الخبراء المتابعين كما ظهر في أحاديث عدد منهم.
الضمانات الأميركية تعني الاستعداد لحرب مع روسيا
استبعد ألكسندر داونز، مدير معهد دراسات الأمن والصراع بجامعة جورج واشنطن والخبير في الصراعات الدولية، أن توفّر إدارة بايدن ضمانات أمنية ثنائية لأوكرانيا، لكنها -كما قال- “قد تكون مستعدة لتقديم مثل هذا الضمان في إطار متعدد الأطراف تقوم فيه دول أخرى بذلك أيضا”.
ومع ذلك، رأى داونز أنه “من الصعب أن نرى كيف يمكن لمثل هذه الضمانات أن تنجح إذا لم تشمل دولا تتعاطف مع روسيا، مثل الصين”.
وقال داونز: “يجب أن يكون أي ضمان أمني لأوكرانيا قويا ومحددا من حيث أنواع التهديدات التي قد تؤدي إلى رد فعل، وما هي تلك الإجراءات ليكون لديك مصداقية في ردع أي عدوان روسي في المستقبل. ولكن كلما كان الضمان أقوى وأكثر تحديدا، كانت الدول أكثر ترددا (بما في ذلك الولايات المتحدة) في التوقيع عليه. بعد كل شيء، فإن ضمان أمن أوكرانيا يجعلك توقّع على حرب محتملة ضد روسيا إذا فشل الردع”.
من ناحية أخرى، أكد الأستاذ بجامعة دارتموث والخبير في السياسة الخارجية الأميركية، البروفيسور وليام وولفورث، أن الضمانات الأمنية التي ناقشها المفاوضون الأوكرانيون لا تبدو واقعية.
وأشار وولفورث إلى أن “أوكرانيا تأمل في الحصول على ضمانات أمنية تعادل تلك الواردة في المادة 5 من وثيقة تأسيس حلف شمال الأطلسي، وهي التي رفض حلف الناتو بالفعل تقديمها حتى قبل الهجوم الروسي”.
وقال إن “الحياد المدعوم بضمانات أمنية موثوقة لأوكرانيا لا يبدو واقعيا في هذه المرحلة. وسيتطلب الأمر تطورات دبلوماسية ثورية لا يتوقع أحد حدوثها”.
شبح مذكرة بودابست
يُرجع بعض الخبراء معضلة توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا إلى تجربة مذكرة بودابست الموقعة عام 1994، فقد وافقت الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا على احترام استقلال أوكرانيا وسيادتها وسلامتها الإقليمية، والامتناع عن التهديد أو استخدام القوة والإكراه الاقتصادي ضد أوكرانيا. وكان بند الإنفاذ الوحيد في الاتفاق هو السعي إلى اتخاذ إجراء من مجلس الأمن لتقديم المساعدة إلى أوكرانيا.
وكما يقول داونز “هذا بالطبع، عديم الفائدة إذا كان المعتدي هو أحد أعضاء المجلس ممن لهم حق النقض (الفيتو). من هنا، وفي حالة روسيا، فإن الضمان الأمني الجديد يجب أن يكون أيضا خارج إطار الأمم المتحدة”.
وعلى افتراض موافقة إدارة بايدن على تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، أو أن تكون الولايات المتحدة ضمن مجموعة دول تقدم هذه الضمانات، “فمن المشكوك فيه إذا ما كانت روسيا ستوافق على معاهدة تنص على تدخّل الولايات المتحدة عسكريا، ويبدو هذا وكأنه شيء يريد الروس تجنبه”.
ضمانات لا يمكن تنفيذها
وتحدث ستيف بايفر، خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد “بروكينغز”، عن معضلة توفير واشنطن ضمانات أمنية لأوكرانيا، وقال إن “هذا سؤال صعب للغاية، فمن ناحية تريد إدارة بايدن أن تكون داعمة لجهود كييف للتفاوض على إنهاء الحرب. ومن ناحية أخرى يبدو أن الضمانات الأمنية تتطلب أن تلتزم الولايات المتحدة بخوض الحرب للدفاع عن أوكرانيا المحايدة في المستقبل، إذا انتهكت روسيا هذا الحياد”.
ويقول بايفر: “حتى لو كانت إدارة بايدن مستعدة للقيام بذلك، فهل يمكنها الحصول على موافقة مجلس الشيوخ على مثل هذا الالتزام”.
في حين أن الكولونيل المتقاعد مارك كانسيان، المسؤول السابق بوزارتي الدفاع والخزانة، والخبير بمركز السياسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن، شكك في أن واشنطن ستمنح أوكرانيا ضمانات على غرار التزام حلف شمال الأطلسي بموجب المادة 5، “لأن ذلك يتطلب نشر قوات عسكرية وقيادة منسقة من أجل أن تكون ذات مصداقية”.
وأشار كانسيان إلى أن “الولايات المتحدة لا ترغب في الالتزام بضمانات لا يمكنها إنفاذها. وبدلا من ذلك، أتوقع أن تكون هناك مجموعة من المبادئ والإجراءات التي يتخذها الناتو أو الاتحاد الأوروبي لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها من دون تقديم التزام عسكري رسمي بذلك”.
ويستغرب بعض المعلقين تصميم أوكرانيا على تقديم طلبات تعرف مسبقا عدم قدرة الأطراف الأخرى على تلبيتها، مثلما جرى مع طلب توفير طائرات مقاتلة، أو فرض منطقة حظر طيران، وأخيرا طلب الضمانات الأمنية.
وختم البروفيسور داونز بالقول “باختصار، أشك في أن الولايات المتحدة ستوافق صراحة على تقديم ضمانات لأمن أوكرانيا، ولن تقبل روسيا كذلك، وستقبل الأطراف بلغة أكثر غموضا تتحدث عن توفير كل الدعم العسكري اللازم لأوكرانيا، والتي يمكن تفسيرها بأكثر من طريقة. في حين لن ترحب كييف بذلك، ولكن قد يكون ذلك كل ما يمكن أن تحصل عليه”.
* محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشـأن الأميركي من واشنطن
المصدر: الجزيرة نت
موضوعات تهمك: