نوايا الحوثي بشأن مأرب ستنكشف أكثر في حال راوغت الجماعة في رفع الحصار البشع عن مدينة تعز، وساعتها سيعود كل شيء لنقطة الصفر.
منذ إبريل 2020 لم يحصد الحوثيون من هجومهم على مأرب إلاخيبات وإذا فكروا بنسف الهدنة سيواجهون هزيمة عسكرية وسياسية وأخلاقية.
لا تزال مأرب هدفاً دائما للحوثيين لذلك لن يتحقق السلام وسيف الميليشيات لا يزال مسلطاً على رؤوس ملايين المدنيين فيها.
إذا تعامل الحوثيون مع مأرب كصفحة ماضية فستنجح الهدنة الإنسانية وتقود لمعالجات إنسانية واقتصادية أوسع بل إن خروقات محدودة لن تشكل خطورة أو تهدد الهدنة.
المعيار الحقيقي لنجاح الهدنة صمود وقف إطلاق النار بجبهات القتال خاصة مأرب فإذا سكتت الحرب واقتنع الحوثيون باستحالة السيطرة على حقول النفط يمكن القول إن الحرب قد وضعت أوزارها.
تحتاج مأرب ترتيبات عسكرية قبل أي تفاصيل، لأجل فض مناطق التماس بجبهة الجنوب، بآليات مراقبة محلية أو قبلية محايدة أو وجود ضمانات دولية واضحة تلزم الحوثيين بالتراجع عن مناطق التماس الحالية.
* * *
بقلم: زكريا الكمالي
حتى وإن بدت منحازة للحوثيين نوعاً ما، إلا أن على كافة الأطراف اليمنية احترام الهدنة الإنسانية بكامل عناصرها، والنظر إليها من زاوية أنها ستخدم، أولاً وأخيراً، 30 مليون نسمة، ولا مهزوم فيها أو منتصر.
وبعيداً عن ثغرة البند الخادع الخاص بحصار الحوثيين لمدينة تعز، أو كونها غير ملبية كلياً لتطلعات اليمنيين الذين طحنتهم الحرب، تبدو الهدنة، في المجمل، بوابة عبور لمستقبل أفضل، في حال تم الالتزام بها وتطبيق كافة عناصرها. كما أنها نهاية مُشرفة لجميع الأطراف المنهكة من الحرب، أكثر من المدنيين أنفسهم.
الكرة الآن في ملعب أطراف النزاع. الابتهاج الشعبي، والترحيب الإقليمي والدولي الواسع بالهدنة، يضع المتحاربين أمام اختبار أخلاقي لمدة شهرين كاملين. لم يعد هناك مجال لممارسة أي ابتزاز سياسي، أو خلط الأوراق مجدداً.
من الآن وحتى الثاني من يونيو/حزيران المقبل، يجب أن تحضر مصلحة الشعب اليمني فقط، في كافة النقاشات المقبلة، وأن يتم نسيان المشاريع الضيقة التي أطالت أمد الحرب سبع سنوات.
بعد مرور ثلاثة أيام فقط على سريانها، سيكون من السابق لأوانه استخلاص نتيجة قاطعة عن مدى فعالية الهدنة، حتى وإن استقبل ميناء الحديدة عدداً من سفن المشتقات النفطية، أو عادت طائرة الخطوط اليمنية إلى مدرج مطار صنعاء المهجور منذ 7 سنوات.
المعيار الحقيقي لنجاح الهدنة هو صمود وقف إطلاق النار في جبهات القتال، خصوصاً مأرب. إذا سكتت طبول الحرب، واقتنع الحوثيون بأن حلم السيطرة على حقول النفط قد أصبح بعيد المنال، ساعتها يمكن القول إن الحرب قد وضعت أوزارها حقاً. حتى الآن، ما زال الحوثيون طرفاً غير مؤتمن بالنسبة للحكومة اليمنية، نظراً لتجارب مريرة معهم سابقاً في اتفاقيات السلام.
مخاوف “الشرعية” تبدو مبررة. لطالما حاولت جماعة الحوثيين تحييد طيران التحالف، حتى يتسنى لها اجتياح مدينة مأرب قبل الموافقة على عملية تفاوضية. كما أن مبادرتها الأخيرة التي عرضتها، بمناسبة الذكرى السابعة للحرب أواخر الشهر الماضي، وتضمنت وقف الهجمات على السعودية ووقف القتال في الداخل اليمني لمدة 3 أيام، استثنت مأرب من ذلك.
أعاد الحوثيون طرح شروطهم التسعة المرفوضة، من أجل وقف الهجوم العدائي نحو مدينة مأرب. لذلك، وبما أن التحشيد العسكري يتواصل في أطرافها، فليس من المستبعد أن تستغل المليشيات الحوثية غياب الطيران الحربي وتشن هجوماً كاسحاً نحو المدينة النفطية.
النوايا الحوثية في هذا السيناريو، ستنكشف أكثر في حال راوغت الجماعة في رفع الحصار البشع عن مدينة تعز، وساعتها سيعود كل شيء إلى مربع الصفر.
منذ إبريل/ نيسان 2020 لم تحصد جماعة الحوثيين من هجومها على مأرب سوى الخيبات. وإذا فكرت مجدداً بنسف الهدنة، فإنها ستواجه هزيمة عسكرية وسياسية وأخلاقية. لا تزال مأرب هدفاً دائماً بالنسبة للحوثيين، ولذلك لن يتحقق السلام وسيف المليشيات لا يزال مسلطاً على رؤوس ملايين المدنيين فيها.
أما في حال تعامل الحوثيون مع مأرب بأنها صفحة من الماضي، فإنه من المؤكد أن الهدنة الإنسانية ستنجح، وستقود إلى معالجات إنسانية واقتصادية أوسع. وحتى أن مسألة الخروقات المحدودة هنا وهناك، لن تشكل أي خطورة أو تهدد كيان الهدنة.
مأرب بحاجة إلى ترتيبات عسكرية قبل الخوض في أي تفاصيل أخرى، سواء من خلال فض مناطق التماس في الجبهة الجنوبية، من خلال آليات مراقبة محلية أو قبلية محايدة، أو وجود ضمانات دولية واضحة تلزم الحوثيين بالتراجع عن مناطق التماس الحالية.
* زكريا الكمالي كاتب صحفي يمني
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: