الدبلوماسية الأردنية تمارس درجة واضحة من النأي عن محور اتفاقيات أبراهام لاعتبارات عديدة داخلية وإقليمية.
غياب لافت له مغزى نظرا لموقع الأردن الجيوسياسي الحساس بالمنطقة، والارتباط الوثيق بقضية فلسطين على أصعدة تاريخية وجغرافية وديمغرافية.
هل تلقى الأردن دعوة إلى الاجتماعين وفضل عدم المشاركة أم أن اعتبارات تخصّ السياسات الأردنية الراهنة دفعت المضيفَين المصري والإسرائيلي لاستبعاد الأردن؟
أكد العاهل الأردني على «ضرورة وقف كل الإجراءات الأحادية، خاصة في القدس والحرم الشريف»، لأنها «تعيق فرص تحقيق السلام الشامل الدائم في المنطقة».
أعاد الأردن التشديد على أنه «لا يمكن للمنطقة أن تنعم بالأمن والاستقرار دون حل عادل وشامل لقضية فلسطين» على أساس الدولتين، وبما «يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية».
* * *
غاب ملك الأردن عبد الله الثاني عن قمة شرم الشيخ التي ضمت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد الإمارات محمد بن زايد ورئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، وبعده غاب وزير الخارجية الأردني عن اللقاء الذي سُمّي «قمة النقب» الذي شهد حضور وزراء خارجية الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة ومصر والإمارات والمغرب والبحرين.
وهذا الغياب لافت ويحمل الكثير من المغزى بالنظر إلى موقع الأردن الجيوسياسي الحساس في هذا الجزء من الشرق الأوسط عموماً، وكذلك بالارتباط الوثيق مع قضية فلسطين على أصعدة تاريخية وجغرافية وديموغرافية خصوصاً.
لكن عدم الحضور في شرم الشيخ والنقب معاً يكتسب أهمية إضافية مع الزيارة التي قام بها العاهل الأردني إلى رام الله للاجتماع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سواء من حيث إنها الأولى له إلى الضفة الغربية منذ العام 2017، أو لأن توقيتها تزامن مباشرة مع القمتين المصرية والإسرائيلية.
ومن حيث الشكل تضاربت المعلومات حول ما إذا كانت عمّان قد تلقت بالفعل دعوة إلى القمتين وفضلت عدم المشاركة فيهما، أم أن اعتبارات أخرى تخصّ السياسات الأردنية الراهنة دفعت المضيفَين المصري والإسرائيلي إلى استبعاد دعوة الأردن.
وأياً كانت الحال فإن هذا الغياب الأردني لا يصح أن يُفصل عن حضور قوي الدلالة في رام الله، حيث أعاد العاهل الأردني التشديد على أنه «لا يمكن للمنطقة أن تنعم بالأمن والاستقرار دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية» على أساس الدولتين، وبما «يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية».
وفي مقابل سكوت قمتَيْ شرم الشيخ والنقب عن جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي وحقوق الشعب الفلسطيني، أكد العاهل الأردني على «ضرورة وقف كل الإجراءات الأحادية، خاصة في القدس والحرم الشريف»، لأنها «تعيق فرص تحقيق السلام الشامل الدائم في المنطقة».
وفي ضوء الحساسية الفائقة التي يمكن أن تتصف بها استفزازات الاحتلال وقطعان المستوطنين، في القدس والأقصى وحي الشيخ جراح خلال شهر رمضان المقبل بصفة خاصة، اتخذ لقاء المقاطعة بين العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني صفة التحذير والإنذار في آن معاً، وليس إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي وحدها بل كذلك إلى الأنظمة العربية اللاهثة خلف تطبيع عشوائي يتعامى تماماً عن الوقائع المتفجرة على الأرض.
ورغم أن الأردن يواصل التعاطي مع دولة الاحتلال، عبر زيارات أمثال وزير الدفاع بيني غانتس والخارجية يائير لبيد والأمن الداخلي عومر بارليف، فإن الدبلوماسية الأردنية تمارس درجة واضحة من النأي عن محور اتفاقيات أبراهام لاعتبارات عديدة داخلية وإقليمية، الأمر الذي يقربها أيضاً من مسعى أمريكي راهن إلى منح السلطة الوطنية الفلسطينية دفعة تأييد تمثلت مؤخراً في زيارة وزير الخارجية انتوني بلينكن إلى المقاطعة.
إيجابيات هذا الخيار لا تخفى، والغياب عن شرم الشيخ والنقب مقابل الحضور في رام الله هو أقرب إلى مسافة أمان صائبة تذكّر بنجاح عمّان في تفادي الانضمام إلى محور الحصار على قطر، رغم أن الصعوبات حينذاك لم تكن أقل مما هي عليه اليوم بصدد محاور أبراهام.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: