ستجد من خلال حيثيات القرارات أن هذه الحكومة في المكان الخطأ، وأن سلطتها التنفيذية في سياق آخر منفصل تماما عن الواقع.
الحليب المجفف ممنوع من الاستخدام في صناعة الألبان، ثم في لحظة غضب وفورة حكومية أصبح مسموحا وصحيا، ثم بعد المصالحة مع مربي الأبقار عاد المنع من جديد.
استماتت وزارة التربية في الدفاع عن القرار بأن قرارات بدء الدوام المدرسي غير مرتبط بدوام باقي المؤسسات، ثم ودون مقدمات تراجعت عن قرارها وعدلت بأن الدوام سيكون الساعة التاسعة.
* * *
بقلم: علي سعادة
حتى تُكوِّن رأيًّا عن هذه الحكومة وكيف تأخذ قراراتها التي في غالبيتها تتعلق بحياة وصحة المواطن، راجع مثلا، فقط كمثال، آخر قرارين للحكومة، وستجد من خلال الحيثيات أن هذه الحكومة في المكان الخطأ، وأن سلطتها التنفيذية في سياق آخر منفصل تماما عن الواقع.
مثلا وزارة التربية قررت لوحدها بشكل منفصل عن باقي الشعب وباقي مؤسسات الدولة، أن يكون دوام المدارس الساعة 8 صباحا، واستماتت في الدفاع عن القرار بأن قرارات بدء الدوام المدرسي غير مرتبط بدوام باقي المؤسسات، ثم ودون مقدمات تراجعت عن قرارها وعدلت بأن الدوام سيكون الساعة التاسعة.
وأقرب مثال يشرح الحالة الذهنية للحكومة قصة وزارة الزراعة مع جمعيات مربي الأبقار، فالوزارة تراجعت عن قرارها بالسماح باستخدام الحليب المجفف في صناعة الألبان واستيراد الأبقار، وذلك بعد تراجع جمعيات مربي الأبقار عن رفع الأسعار.
سابقا كان استخدام الحليب المجفف أو البودرة في صناعة الألبان يعد غشاً تجارياً، يستحق من يلجأ إليه المخالفة، لكن فجأة تغير الحال فأعلنت “الزراعة” أن استخدام الحليب المجفف “آمن صحيا ولكن الحليب الطازج أفضل جودة”.
الحكومة أعلنت أنها حولت جمعيات مربي الأبقار إلى المدعي العام استنادا إلى قانون المنافسة.
مربو الأبقار طالبوا برفع أسعار الحليب بناء على رفع الحكومة أسعار الأعلاف، لكن يبدو أن عملية عض الأصابع انتهت بالتراضي: عدم رفع أسعار الأعلاف مقابل عدم رفع أسعار الحليب.
طبعا قرار الحكومة لو نفذ كان سيقضي تماما على قطاع حيوي في منظومة الغذاء الأردني، وسيدمر قطاع تربية الأبقار، ويُحدث صدمة في قطاع صناعة الألبان.
ودخلت على خط الأزمة التي انتهت على خير مؤسسة العامة للغذاء والدواء التي أكدت أن استخدام الحليب المجفف في صناعة الألبان “آمن من الناحية الصحية”، متحدثة عن “قاعدة فنية” كانت “لا تسمح” باستخدامه في هذا المجال.
وحسب ما فهمت من مصطلح “قاعدة فنية”، فإن المقصود استخدام الحليب المجفف في بعض الأغذية مثل الحلويات.
طالما أنها صحية في صناعة الألبان لماذا لم يكن مسموحا سابقا دخول الحليب المجفف أو البودرة في تصنيع الألبان وغيرها من المشتقات.
المؤسسة تقول إن السبب هو “حماية الصناعة المحلية من الألبان باستخدام الحليب الطازج، ودعم لأصحاب المنشآت المسؤولة عن تربية المواشي والأبقار، وأيضا تخصيص الحليب المجفف لبعض المنتجات الغذائية أسوة ببعض الدول الأخرى؛ لأن هذه القواعد الفنية مستقاة من مصادر عالمية، وبالتالي القواعد الفنية الأردنية تنسجم مع هذه القواعد العالمية”.
الملخص أن الحليب المجفف ممنوع من الاستخدام في صناعة الألبان، ثم في لحظة غضب وفورة حكومية أصبح مسموحا وصحيا، ثم بعد المصالحة مع مربي الأبقار عاد المنع من جديد.
طبعا هذا القرار غير نهائي؛ لأن وزير الزراعة أبقى باب التهديد مفتوحا، مخاطبا جمعيات مربي الأبقار: “إن عدتم عدنا”.
* علي سعادة كاتب صحفي من الأردن
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: