تبنت الصين موقفا حذرا في بداية النزاع، ولكن ما لبثت أن بدأت تتبنى لهجة حادة تجاه الولايات المتحدة.
تعتبر العقوبات الغربية ضد روسيا مسًا بالاقتصاد الصيني، وعليه فهي غير ملزمة بهذه العقوبات، لاسيما وأنها غير صادرة عن مجلس الأمن الدولي.
هل ستميل الصين لإقناع روسيا بالرهان على السلام في أوكرانيا، أم ستستغل هذه الأزمة لإضعاف الغرب الذي جعلها هدفا مقبلا يجب السيطرة عليه.
ترى الصين في الحرب الروسية الأوكرانية مختبرا للعلاقات الدولية، لأنها أول أزمة حقيقية بعد الحرب العالمية الثانية يتواجه فيها الغرب مع قوة كبرى.
يقوم الخطاب الصيني على مواجهة صارمة لما تعتبره ادعاءات غربية بدعم بكين لروسيا بالسلاح، وتؤكد أن روسيا بالقوة التي تجعلها لا تطلب السلاح من أي دولة.
تشكل الحرب الروسية ضد أوكرانيا درسًا لدول الجوار الصيني حتى لا تلعب دور أوكرانيا بدعم من الولايات المتحدة، وأساسا لكل من كوريا الجنوبية والفلبين.
تسير الصين في سياستها تجاه الحرب الروسية الأوكرانية باستقلالية دون رضوخ لأي ضغط فرفضت إدانة غزو روسيا أوكرانيا بمجلس الأمن الدولي وشددت على احترام القانون الدولي.
تعتبر الصين هذه الحرب حربها لأن انتصار روسيا فيها سيوقف “عجرفة” الغرب في تعاطيه مع قضايا العالم ويستوعب توازن جديد بالعلاقات الدولية بمعنى ظهور نظام عالمي جديد.
* * *
بقلم: حسين مجدوبي
تستمر أنظار المهتمين بالعلاقات الدولية مركزة على الصين، لرصد تطور مواقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، هل ستميل لإقناع روسيا بالرهان على السلام في أوكرانيا، أم ستستغل هذه الأزمة لإضعاف الغرب، هذا الغرب الذي يجعل منها الهدف المقبل، الذي يجب السيطرة عليه. وتبنت الصين موقفا حذرا في بداية النزاع، ولكن ما لبثت أن بدأت تتبنى لهجة حادة تجاه الولايات المتحدة.
ويمارس الغرب نوعا من الضغط المزدوج على الصين في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يتبنى الاتحاد الأوروبي سياسة حذّرة، بينما تحاول الولايات المتحدة ممارسة نوع من الضغط، يتراوح بين التحاور والتهديد بالعقوبات في حالة مساعدة روسيا.
مباشرة بعد بدء غزو روسيا لأوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط 2022، طرحت وسائل إعلام مقربة من “المؤسسة” الغربية، فرضية استغلال بكين للوضع الحالي المتوتر لبدء غزو تايوان لاستعادتها لحظيرة الوطن.
وهذا يعني تقديم الصين بمثابة دولة تزعزع استقرار العالم رفقة روسيا، ثم قامت لاحقا بتوجيه اتهامات إلى قيادة بكين بأنها كانت على علم مسبق بالحرب الروسية، بعد الاجتماع الذي عقده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الصيني شي جين بينغ بداية فبراير الماضي، على هامش الألعاب الأولمبية الشتوية في الصين، وتوقيع الاتفاقيات الاستراتيجية وأهمها، استيعاب الصين لكل صادرات روسيا من الطاقة ودعم العملة الروسية الروبل.
وجاء الاتهام الثالث للصين بمساعدة روسيا في الحرب ضد أوكرانيا لضمان انتصار سريع والاقتراب من الحدود البولندية لممارسة ضغوطات على منظمة شمال الحلف الأطلسي (الناتو).
ولوح الغرب بعقوبات سياسية واقتصادية ضد الصين، إذا ما قدمت مساعدات إلى روسيا، واهتم الإعلام بهذه العقوبات في المكالمة الهاتفية الطويلة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جينغ بينغ يوم 18 مارس/آذار الجاري.
ووصف الدعم الصيني لروسيا بتحالف الأنظمة الديكتاتورية. ويهدف الغرب من سياسة الضغط هذه إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
– الهدف الأول هو استصدار قرار من الصين بإدانة الحرب الروسية ضد أوكرانيا في مجلس الأمن وباقي المنتديات الدولية، لعزل روسيا من جهة، وذلك لضرب أي تحالف بين البلدين مستقبلا، لأن أي موقف سلبي من بكين تجاه موسكو في هذه الفترة التاريخية الحرجة، يعني عداوة تاريخية مع موسكو.
– الهدف الثاني جعل الصين تأخذ العبرة من الأزمة الحالية، حتى لا تجعل ما يجري في أوكرانيا بمثابة مختبر لأي مغامرة عسكرية قد تقدم عليها مستقبلا ضد تايوان، الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءا من أراضيها.
في غضون ذلك، تسير الصين في تطبيق سياستها تجاه الحرب الروسية الأوكرانية باستقلالية، من دون الرضوخ لأي ضغط. فقد رفضت إدانة روسيا في مجلس الأمن الدولي بسبب غزو أوكرانيا، وإن شددت على ضرورة احترام القانون الدولي.
وفي المقابل، اعتبرت تصريحات واتهامات الغرب لبكين «سخيفة» وتتلاعب بالرأي العام الدولي. وتشن وسائل الإعلام الصينية حملة ممنهجة ضد الغرب، لتوحي بشكل شبه علني دعم روسيا في هذه الحرب.
وعمليا، يستخلص من الموقف السياسي الصيني، على جميع المستويات، امتلاك روسيا الحق في الدفاع المسبق عن أمنها القومي، بعدما بدأت منظمة شمال الحلف الأطلسي تهدد المصالح الروسية، نتيجة قبول الحلف عضوية أوكرانيا مستقبلا.
ونشرت وكالة الأنباء الصينية وجرائد مثل «شاينا دايلي» مقالات تتساءل فيه عن جدوى استمرار الحلف الأطلسي، والغرض من توسعه نحو الحدود الروسية. وبعد جرد مختلف مواقف الصين في هذه الأزمة، يقوم الخطاب الصيني على: المواجهة الصارمة لما تعتبره ادعاءات غربية بدعم بكين لروسيا بالسلاح، وتؤكد أن روسيا بالقوة التي تجعلها لا تطلب السلاح من أي دولة.
في الوقت ذاته، يركز هذا الخطاب على أن نجاح الغرب في محاصرة روسيا هو مقدمة لتطبيق الاستراتيجية نفسها ضد الصين مستقبلا، عند اندلاع أي صراع مع الغرب، خاصة حول تايوان.
ويركز هذا الإعلام على مخططات الغرب جعل الصين «العدو مستقبلا» وإن كانت بكين قد اعتبرت هذه الاستراتيجية جارية التطبيق بشكل علني منذ عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، بعدما كانت تطبق في صمت في عهد الرؤساء السابقين.
ولهذا، طالب الرئيس الصيني في مكالمته مع الأمريكي ضرورة وقف ما وصفها «حملة التضليل» ضد سياسة بكين. في الوقت نفسه، انتقد وجود تيارات داخل الولايات المتحدة تقوم بتشجيع انفصال تايوان، والترويج لحرب باردة ضد الصين وضرورة التضييق على مصالحها سياسيا وعسكريا.
في الوقت ذاته، تعتبر العقوبات الغربية ضد روسيا مسًا بالاقتصاد الصيني، وعليه فهي غير ملزمة بهذه العقوبات، لاسيما وأنها غير صادرة عن مجلس الأمن الدولي.
ويبقى اللافت هو تبني بكين للاتهامات التي وجهتها موسكو إلى واشنطن بتطوير أسلحة كيماوية وبيولوجية خاصة بالفيروسات في مختبرات أوكرانية، وانضمت إلى مطالب روسيا بضرورة فتح تحقيق دولي.
ولعل المثير للانتباه هو أن غالبية الردود لم تصدر فقط عن وزارة الخارجية الصينية، بل عن وزارة الدفاع الصيني، وهذا يؤكد مدى تعامل الجيش الصيني مع الاتهامات التي تتعرض لها البلاد، وكأنه مس مباشر بالأمن القومي الصيني وليس فقط جدلا دبلوماسيا من دون تأثير.
وترى الصين في الحرب الروسية الأوكرانية مختبرا حقيقيا للعلاقات الدولية، لأنها أول أزمة حقيقية بعد الحرب العالمية الثانية يتواجه فيها الغرب مباشرة مع قوة كبرى، بعدما كان يخوض مواجهة غير مباشرة مع الاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة، أو حروبا مع دول ضعيفة مثل العراق.
ويبرز الخطاب الصيني السياسي والإعلامي أن بكين تعتبر هذه الحرب بمثابة حربها لأن انتصار روسيا فيها سيحقق هدفين للصين وهما:
في المقام الأول، وقف ما تصفه بـ«عجرفة» الغرب في تعاطيه مع قضايا العالم، إذ سيدرك ويستوعب التوازن الجديد في العلاقات الدولية، بمعنى ظهور نظام عالمي جديد.
وفي المقام الثاني، تشكل الحرب الروسية ضد أوكرانيا درسا لدول الجوار الصيني حتى لا تلعب دور أوكرانيا بدعم من الولايات المتحدة، وأساسا لكل من كوريا الجنوبية والفلبين.
وتعد الحرب الحالية حيوية لمكانة روسيا في العالم، ولا تقل أهمية للصين التي تعتبرها مسرحا مليئا بالعبر التي يجب استخلاصها للتعامل مع الغرب مستقبلا.
* حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: