إذا خرجت روسيا بهزيمة من حربها في أوكرانيا فسيكون ذلك إشارة لعدم بقاء بوتين رئيسا حتى 2036 كما كان يأمل.
أجرى بوتين تعديلات دستورية عام 2020 تسمح له بالبقاء فى السلطة حتى 2036 وسيكون عمره حينها 84 عاما.
جددت الحرب على أوكرانيا نظر كثيرين ضمن النخب السياسية الأمريكية والأوروبية إلى ضرورة التفكير بإطاحة الرئيس الروسى شخصيا.
تعتقد دوائر أمريكية أنه بدون دعم النخبة المالية والصناعية الروسية، يصعب على بوتين، نظريًا، استمرار سيطرته القوية على مفاصل الدولة الروسية.
أدت العقوبات الغربية إلى خسارة كثير من الروس ثرواتهم إثر ذلك، كما انخفضت قيمة الروبل الروسى إلى مستويات قياسية أمام الدولار واليورو.
عدم سير القتال كما يرغب بوتين يزيد احتمالات أن يغوص بمستنقع جديد فى أوكرانيا فيستحيل الحفاظ على مستوى المعيشة الذى عرفه الروس قبل الحرب.
تهدف عقوبات الغرب لإظهار التكلفة المرتفعة لاستمرار بوتين فى الحكم وتحاول العقوبات تسهيل تململ النخبة الروسية من تبعات قرار بوتين بالحرب على أوكرانيا.
ظهر سوء تقدير المخابرات الروسية لقوة وتجهيزات وفعالية الجيش الأوكراني وأخطاء استخباراتية تتعلق بتقدير قوة المقاومة المدنية والقبول الشعبي بالقوات الروسية.
* * *
بقلم: محمد المنشاوي
بعد عدة أشهر يبلغ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين السبعين من العمر، وخلال سنوات عمره السبعين قضى بوتين عشرين عاما منها رئيسا للدولة.
انتُخب بوتين رئيسا لأول مرة عام 2000 ــ وباستثناء الفترة بين عامى 2008 و2012 التى كان فيها حليفه ديميترى ميدفيديف رئيسا، ويحكم من دون أي منافسة وبسلطات لا حدود لها.
تستمر فترة حكم الرئيس بوتين الحالية حتى عام 2024، وقد استبق بوتين هذا التاريخ بإجراء تعديلات دستورية عام 2020 تسمح له بالبقاء فى السلطة حتى عام 2036، وسيكون عمره حينها 84 عاما.
تختلف آراء المعلقين والمسئولين فى دول المعسكر الغربى فى تصور الثمن الواجب على الرئيس الروسى دفعه بسبب شنه حربا يرونها غير مبررة على أوكرانيا، وفى الوقت الذى يتحرك فيه مسار الغزو عكس الخطط الروسية الأولية، خاصة فيما يتعلق بحجم الخسائر البشرية التى تقع بين الجنود الروس، والتى بلغت أكثر من خمسمائة جندى خلال أسبوع القتال الأول طبقا للبيانات الرسمية الروسية.
كشف سير القتال حتى الآن سوء تقدير أجهزة المخابرات الروسية فيما يتعلق بقوة وتجهيزات وفعالية مقاومة الجيش الأوكراني، كما أن هناك بلا شك أخطاء استخباراتية فيما يتعلق بتقدير قوة المقاومة المدنية والقبول الشعبي بالقوات الروسية.
ويبدو أن أغلبية الأوكرانيين يرفضون الغزو الروسى لأراضيهم، وهذا لم يتوقعه الرئيس بوتين، وهو الابن البار لأجهزة المخابرات السوفيتية والروسية.
* * *
جددت الحرب على أوكرانيا، والتى جاءت مخالفة للقانون الدولى ولتقاليد القارة الأوروبية، نظر الكثيرين من ممثلى النخب السياسية الأمريكية والأوروبية إلى ضرورة التفكير فى الإطاحة بالرئيس الروسى شخصيا.
وفى خطابه حول حالة الاتحاد والذى ألقاه الرئيس الأمريكى جو بايدن يوم الأول من مارس، وصف نظيره الروسى فلاديمير بوتين بأنه من الطغاة، وقال إن «الكثير من الطغاة يعتقدون أن العالم يتآمر ضدهم. إن المنعطف التاريخى الذى نعيشه الآن سيؤدى إلى تغيرات كبرى فى العقد المقبل وهو أمر لا يحدث كثيرا».
وتابع بايدن «هناك فرصة حقيقية للمحافظة على استقرار العالم وخفض التوتر فى أنحاء عدة بعد إفشالنا مخطط بوتين، ثمة تبعات سلبية كبيرة على روسيا جراء خطوة بوتين، غزو أوكرانيا، بينما يستفيد المعسكر الغربى منها». وأضاف بلهجة حاسمة «هناك فرصة حقيقية أن يدفع بوتين ثمنا باهظا لهذا الغزو على المدى البعيد، وسيفشل فى نهاية المطاف».
وبعد أيام من خطاب بايدن، دعا ليندسى غراهام، السيناتور الجمهورى من ولاية كارولينا الجنوبية، إلى اغتيال الرئيس بوتين، ورأى أن هذا قد يكون الحل الوحيد لإنهاء الأزمة التى أشعلتها الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقال غراهام فى ظهور له على شبكة فوكس الإخبارية إن السبيل الوحيد لإنهاء هذا الأمر هو أن يقوم أحد فى روسيا بالتخلص من هذا الشخص، ستقدمون لبلدكم وللعالم خدمة عظيمة».
* * *
من جهة أخرى فرضت واشنطن، وبالتنسيق مع حلفائها الأوروبيين والآسيويين، عقوبات على الرئيس بوتين والعشرات من كبار المسئولين الروس، إضافة للمئات من كبار رجال الأعمال وأثرياء روسيا المعروفين بقربهم من دائرة الرئيس بوتين.
وأدت العقوبات الغربية إلى خسارة كثير من الروس ثرواتهم إثر ذلك، كما انخفضت قيمة الروبل الروسى إلى مستويات قياسية أمام الدولار واليورو.
تهدف عقوبات الغرب إلى إظهار التكلفة المرتفعة لاستمرار الرئيس بوتين فى الحكم، وتحاول العقوبات كذلك تسهيل تململ النخبة الروسية من تبعات قرار بوتين بشن الحرب على أوكرانيا.
تعتقد دوائر أمريكية أنه بدون دعم النخبة المالية والصناعية الروسية، يصعب على بوتين، من الناحية النظرية، استمرار سيطرته القوية على مفاصل الدولة الروسية.
لكن يظهر التاريخ الحديث عدم تأثير العقوبات الدولية على قيادات الدول والأنظمة الاستبدادية، وإن كانت تؤثر وبشدة على شعوبها، تكفى نظرة على رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون اليوم، أو الرئيس صدام حسين رئيس العراق خلال تسعينيات القرن الماضى، أو حتى النظام الحاكم فى كوبا خلال الستين عاما الأخيرة منذ نجاح ثورتها وفرض الكثير من العقوبات الأمريكية عليها.
* * *
وبعيدا عن الدوائر الأمريكية، طالبت مجلة إيكونوميست، وهى أهم المجلات الأسبوعية فى العالم، بأن يدفع الرئيس بوتين ثمنا لحربه، وأشارت إلى أن «الحقيقة البغيضة هى أن السيد بوتين شن هجوما غير مبرر على دولة مجاورة ذات سيادة. إنه مهووس بالتحالف الدفاعى الواقع غرب بلاده (الناتو). وهو يدوس على المبادئ التى يقوم عليها السلام فى القرن 21، ولهذا السبب يجب على العالم أن يجعله يدفع ثمنا باهظا نتيجة عدوانه».
وذكر وزير الدولة لشئون القوات المسلحة وعضو البرلمان البريطانى، جيمس هييبى، فى مقابلة صحفية، أن «أيام بوتين ستكون معدودة إذا فشل فى أوكرانيا، فى وقت تراجعت فيه حملته العسكرية كثيرا عن جدولها الزمنى المخطط له».
وقال هييبى، وهو رائد سابق فى الجيش البريطانى، إن قوات بوتين لم تتمكن من الاستيلاء على المدن الرئيسية فى أوكرانيا خلال الأيام القليلة الأولى من القتال على النحو المنشود، وهذا دليل كافٍ على عدم سير الخطط الروسية كما كان مخططا لها.
* * *
لا يُعرف عن روسيا دقة استطلاعات الرأى بها، لكن من الظاهر أن بوتين تمتع بشعبية كبيرة بين الروس كرئيس قوى ساهم فى استقرار البلاد، وتحسين مستوى معيشة المواطنين والمواطنات.
من هنا يبقى أن سير القتال بصورة مغايرة لرغبة الرئيس بوتين، تزيد احتمالات أن تغوص فى مستنقع جديد فى أوكرانيا بما يستحيل معه الحفاظ على مستوى المعيشة الذى عرفه الروس قبل الحرب.
أما إذا خرجت روسيا بهزيمة من مغامرتها فى أوكرانيا، فسيكون ذلك إشارة لعدم بقاء بوتين رئيسا حتى 2036 كما كان يأمل.
* محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشؤون الأمريكية من واشنطن
المصدر: الشروق – القاهرة
موضوعات تهمك: