النظام أسس آلية بيروقراطية هائلة يقوم عملها على نقل جثث القتلى من السجون والمشافي إلى مواقع الدفن السرية.
سؤال يحاول النظام السوري والعالم إخفاءه: أين ذهب مئات آلاف السوريين الذين قتلوا بالسجون والمعتقلات خلال 11 سنة منذ انطلاق الثورة السورية؟
تستخدم ماكينة الإخفاء الجماعي السري للمعتقلين القتلى آليات ثقيلة بشق خنادق وحفر لإيصال الجثث في الظلام بشاحنات عسكرية وشاحنات تبريد الطعام.
أكثر من 130,000 شخص اختفوا بمراكز اعتقال النظام منذ بدء الثورة عام 2011 والاعتقاد السائد بين من يعرفون طبيعة النظام، أن أغلب المعتقلين لقي حتفه.
يصل عدد القتلى مئات ببعض الأيام ويراقب ضباط استخبارات عملية قذف القتلى بالمقابر الجماعية ويحكم عمال إغلاق الخنادق بكميات قمامة لمنع الكلاب من التهام الجثامين.
كشفت مواقع مقبرتين جماعيتين قرب دمشق تحتوي الواحدة آلاف الجثث أي أن المواقع تحتوي أدلة قوية على جرائم حرب ارتكبها بشار وتعذيب وقتل ممنهج.
أتاح التخاذل العالمي والأمريكي عن نجدة السوريين العالقين بـ”مسلخ” النظام حتى بعد استخدامه السلاح الكيميائي لبوتين الاعتقاد أن المنظومة العالمية غير راغبة بردّ تدخلاته العسكرية في أوكرانيا وغيرها.
* * *
قدّمت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا صحافيا استقصائيا مهما يجيب على سؤال مزعج يحاول النظام السوري (وربما العالم؟) إخفاءه: أين ذهب مئات آلاف السوريين الذين قتلوا في السجون والمعتقلات خلال الفترة التي مرّت منذ الثورة السورية التي انطلقت في مثل هذه الأيام قبل 11 عاما؟
قامت المنظمات العالمية والمحلية المدافعة عن حقوق الإنسان، وكذلك الكثير من المنشقين، بتوثيق عمليات الإبادة الجماعية وقتل المدنيين التي تعاونت على إنجازها أجهزة الأمن وقوات الجيش والميليشيات المحلية والأجنبية الحليفة للنظام عبر الاعتقالات والخطف وقمع أشكال المعارضة السياسية والعسكرية.
وكانت أشهر المحاولات التوثيقية هي ما قدّمه المجند المنشق “قيصر”، والذي كان مكلفا بالتقاط صور جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل، والتي غطّت الفترة حتى انشقاقه عام 2013، وتقديمه 55 ألف صورة لمعتقلين وقتلى داخل السجون السورية.
يقدّم تقرير “نيويورك تايمز” مشاهد عن طريقة عمل ماكينة الإخفاء الجماعي السري للمعتقلين القتلى، حيث تقوم آليات ثقيلة بشق خنادق وحفر، ليتم إيصال الجثث في الظلام في شاحنات عسكرية أو شاحنات تبريد الطعام، ويصل عدد القتلى إلى مئات في بعض الأيام، وفيما ضباط استخبارات يراقبون العملية إذ يقذف القتلى في المقابر الجماعية، ويقوم العمال المكلفون بإحكام إغلاق الخنادق بكميات من القمامة لمنع الكلاب من التهام الجثامين.
حقق القائمون على التقرير مع أربعة أشخاص عملوا في تلك المواقع واستخدموا المعلومات في تحديد مواقع التصوير عبر صور الأقمار الصناعية، وبتلك الطريقة تمكنوا من كشف مواقع مقبرتين جماعيتين قرب دمشق تحتوي كل واحدة منهما على جثث الآلاف، وهو ما يعني أن هذه المواقع تحتوي أيضا على أدلة قوية على جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات بشار الأسد، والتي تتضمن التعذيب والقتل الممنهج للمعتقلين.
حسب أرقام متداولة ضمن شبكات حقوق الإنسان فهناك أكثر من 130,000 شخص اختفوا بمراكز اعتقال النظام منذ بدء الثورة عام 2011، وهناك اعتقاد سائد بين السوريين الذين يعرفون طبيعة النظام، أن أغلب هؤلاء المعتقلين لقي حتفه، وهو ما يؤكد، بناء على شهادات منشقين شاركوا في عمليات الدفن الجماعي، وعلى صور الأقمار الصناعية المساندة لشهادات هؤلاء، أن النظام أسس آلية بيروقراطية هائلة يقوم عملها على نقل الجثث من السجون والمشافي إلى تلك المواقع السرية.
أحد هؤلاء الشهود، كان ضمن أحد فرق هذه الآلية، وقد أكد وجود شاحنتين تنقلان الجثث مرتين في الأسبوع، وتحملان ما بين 150 إلى 600 جثة، كما أن فريقه كان يستقبل عشرات الجثث أسبوعيا من سجن صيدنايا، والذي سمّته منظمة العفو الدولية “المسلخ البشري”، وكانت الجثث الآتية من صيدنايا لأشخاص قتلوا حديثا شنقا أو بالرصاص.
تعيد الوقائع الموثقة حديثا تذكير العالم بالعار الإنساني الفظيع الذي يمثله نظام بشار الأسد، كما تعيد مطالبة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بالتزامن مع لقائه أمس بوزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، بـ”إعادة سوريا إلى الجامعة العربية”، تأكيد الرابطة الوثيقة بين اجتياح أوكرانيا الجاري حاليا، والتدخل الروسي في سوريا منذ عام 2015.
فتح التخاذل العالمي (والأمريكي خصوصا) عن نجدة السوريين العالقين في “مسلخ” النظام (حتى بعد استخدامه السلاح الكيميائي)، الباب أمام إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاعتقاد أن المنظومة العالمية غير قادرة (ولا راغبة) على ردّ تدخلاته العسكرية في أوكرانيا أو غيرها.
وبهذا المعنى، فقد شارك العالم، خوفا أو تواطؤا، في القبر الجماعي لمئات آلاف السوريين.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: