كانت المفارقة أن الصين التى تعتبرها أمريكا التهديد الأول لها، وليس روسيا، لم تظهر فى خطاب الاتحاد إلا كقضية داخلية!
خطاب حالة الاتحاد يلقيه الرئيس الأمريكى كل عام ويكون بمثابة تقرير يقدمه للشعب وممثليه بالكونغرس عن حالة الاتحاد الأمريكى داخليًا وخارجيًا.
أعطى الخطاب الأولوية لأزمة أوكرانيا باعتبارها معركة «الديمقراطية ضد السلطوية» فى الخارج ولم يُعطِ الديمقراطية الأمريكية ذاتها الأولوية التى تستحقها!
المفارقة الأهم في خطاب حالة الاتحاد الذى ألقاه بايدن تعلقت بمسألة الديمقراطية فقد كانت حاضرة بقوة فى السياسة الخارجية وغابت تمامًا عن الشأن الداخلى.
* * *
بقلم: منار الشوربجي
المفارقة الأهم على الإطلاق التى حملها خطاب حالة الاتحاد الذى ألقاه الرئيس الأمريكى تعلقت بمسألة الديمقراطية. فبينما كانت حاضرة بقوة فى السياسة الخارجية غابت تمامًا عن الشأن الداخلى.
فبغض النظر عما إذا كانت الحرب الدائرة فى أوكرانيا هى فعلًا، ومن الناحية الموضوعية، أزمة «الديمقراطية ضد الديكتاتورية»، إلا أن تلك هى على الأقل الرواية الغربية لها. فالولايات المتحدة والدول الغربية تقدم أزمة أوكرانيا باعتبارها معركة «الديمقراطية ضد السلطوية وحكم الفرد».
وبايدن ألقى خطابه فى خضم أزمة أوكرانيا. وخطاب حالة الاتحاد هو ذلك الذى يلقيه الرئيس الأمريكى كل عام ويكون بمثابة تقرير يقدمه للشعب وممثليه بالكونغرس عن حالة الاتحاد الأمريكى داخليًا وخارجيًا.
وعادة ما يتضمن الخطاب موقف الإدارة من أهم القضايا الداخلية والخارجية. فالرئيس يشرح فيه ما يعتبره تهديدًا للأمن القومى الأمريكى وسبل مواجهته، ثم يرتب القضايا من حيث أولوياتها عنده.
ويكون خطاب الاتحاد هو المناسبة التى يضع فيها الرئيس الكونغرس تحت المجهر الشعبى عبر الإعلان عن التشريعات ذات الأولوية لإدارته ويطالبه بتمريرها بعد أن يصوغها باعتبارها تمس جوهر أولويات المواطن العادى. لكن خطاب بايدن لم يتضمن أيًا من ذلك! فقد تصدرت أزمة أوكرانيا خطاب بايدن وغطت على كل ما عداها.
وكانت المفارقة أن الصين، التى تعتبرها أمريكا هى التهديد الأول لها، وليس روسيا، لم تظهر فى خطاب الاتحاد إلا كقضية داخلية!
فهى جاءت فى إطار دعوة بايدن لتقوية البنية التحتية ودعم التطور التكنولوجى حتى تقوى أمريكا على منافستها. أما باقى القضايا الدولية فلم يكن لها مكان بالمطلق فى خطاب امتد لأكثر من الساعة.
وقدم بايدن أزمة أوكرانيا باعتبارها معركة «الحرية التى لابد أن تنتصر على الطغيان». وتحدث مطولًا عن وحدة التحالف الغربى فى فرض العقوبات الموجعة على روسيا.
وما إن انتقل بايدن فى خطابه من تلك القضية لمناقشة قضايا الداخل حتى قدم قائمة طويلة من القضايا دون أى ترتيب لها من حيث أولويتها لديه. وتلك مسألة على جانب كبير من الأهمية.
فالرئيس الذى لا يرتب للكونغرس القضايا والتشريعات من حيث أولويتها عنده ينتهى به الأمر لتحقيق أقل القليل من الإنجازات التشريعية، إذ سيختار الكونجرس، نيابة عنه، تلك الأولويات حسب ما يخدم مصالح أعضائه فى أول انتخابات قادمة، لا ما يخدم أجندة الرئيس.
وهنا كانت المفارقة، إذ إن بايدن خدم طويلًا بالكونغرس ويفهم جيدًا آليات عمله. وكان لافتًا أيضًا أن الرئيس لم يذكر الميزانية الأمريكية على الإطلاق فى خطاب اعتاد الرؤساء الأمريكيون ذكرها بالتفصيل!
والأهم من هذا كله أن الرئيس، الذى تولى الحكم بعد معركة هدفت لمنع تنصيبه عبر اقتحام مبنى الكونغرس بالقوة عشية التصديق على تنصيبه، كان هو نفسه الرئيس الذى لم يذكر ذلك الحدث بكلمة واحدة طوال الخطاب.
بل لم يذكر المحاولات المستميتة التى يبذلها الجمهوريون لوأد العملية الديمقراطية عبر إصدارهم قوانين بأكثر من ثلاثين ولاية تخترع قيودًا جديدة تحرم قطاعات واسعة من الأقليات من التصويت.
كما يبذلون جهودًا مضنية لرسم الدوائر الانتخابية على نحو يضمن طرد الديمقراطيين من مقاعد الأغلبية بمجلس النواب. ولم يذكر بايدن مشروعى القانون المتعلقين بحقوق التصويت إلا فى عجالة وضمن قضايا أخرى دون أى تمييز لهما ولا باعتبارهما أولوية. فكانت المفارقة الأكبر.
فالخطاب الذى أعطى الأولوية لأزمة أوكرانيا باعتبارها معركة «الديمقراطية ضد السلطوية» فى الخارج، لم يُعطِ الديمقراطية الأمريكية ذاتها الأولوية التى تستحقها!
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي.
المصدر| المصري اليوم
موضوعات تهمك: