تبقى المفارقة الكبرى بين دول أصبحت أكثر ثراءً وأخرى أصبحت أكثر فقراً أي أن الثروة الإجمالية توجد بأيدي القطاع الخاص.
تقدر أرباح الشركات متعددة الجنسية المنقولة إلى «الملاذات الضريبية» بنحو 1100 مليار دولار، أي ما يعادل 40% من أرباحها.
«معالجة الأزمة الصحية بشكل منصف، يجب أن تأخذ بالاعتبار أرباح الشركات المتزايدة، وتخزين اللقاحات لدى البلدان ذات الدخل المرتفع».
تبرز خطورة تداعيات «اللامساواة» بالدخل والثروة لغياب «العدالة الضريبية» فالتهرب الضريبي العالمي يقارب 483 مليار دولار سنويا مما يكفي لتلقيح سكان الأرض.
الشركات متعددة الجنسيات مسؤولة عن النسبة الكبرى من «الخسائر الضريبية» إذ قُدرت قيمة تهربها الضريبي 312 مليار دولار، أي 65% من مجمل التهرب الضريبي العالمي.
التهرب الضريبي يشعل المنافسة بين الدول على جذب الاستثمارات بخفض الضرائب على الأرباح مما يفاقم خسائر الإيرادات الضريبية المحتملة لتصبح قيمةُ الخسائر غير المباشرة أضعاف المباشرة.
* * *
بقلم: عدنان كريمة
إذا كانت جائحة كورونا قد تسببت بخسائر كبيرة لحقت بالاقتصاد العالمي، وأدت إلى تفاقم المخاطر في الأسواق المالية التي تدير أنشطة بنحو 145 تريليون دولار، فإن جزءاً كبيراً من هذه المخاطر ارتبط بنظام «الظل المصرفي» الذي سجل انتعاشاً في السنوات الأخيرة، حتى تجاوزت قيمة الأصول التي يديرها 60 تريليون دولار.
و«الظل المصرفي» يرمز لواحد من الإخفاقات الكثيرة التي شابت النظام المالي العالمي، ويطلق عليه الاقتصادي بول مكالي «بؤرة أميركية» بصفة متمايزة. ويركز مجلس الاستقرار المالي عيناً على الولايات المتحدة بشكل رئيسي وحصتها 30%، وعيناً على باقي البلدان التي تنشط في صيرفة الظل.
ولعل الخطورة تكمن في أن هذا النظام يهيمن على الإقراض للمقترضين ذوي المخاطر المرتفعة، ما حمل صندوق النقد الدولي على التحذير من تفاقمها. لكن الأخطر من ذلك أن هذا التطور «الاستثماري»، ساهم في تعميق «اللامساواة العالمية» في الدخل والثروة، وفق تقرير أعدته مجموعة تضم أكثر من 100 محلل اقتصادي من أنحاء العالم، وهو يشير إلى أنه «في عام 2021 (أي بعد ثلاثة عقود من العولمة التجارية والمالية) ما تزال التفاوتات العالمية واضحة للغاية، تقريباً كما كانت في ذروة الإمبريالية الغربية مطلع القرن العشرين».
ورغم أن هذه التفاوتات بين الدول قد تراجعت منذ نهاية الحرب الباردة، فإن التقرير لفت إلى أن «عدم المساواة» ازداد داخل معظم البلدان، وأصبح أكثر وضوحاً نتيجة جائحة كورونا على مدى العامين الماضيين، مما أدى إلى تسريع وتيرة «الخلل»، حيث نمت ثروة المليارديرات بنحو 3.7 تريليون دولار، وهو مبلغ يعادل إجمالي الإنفاق السنوي على الصحة العامة من قبل حكومات العالم، قبل الجائحة. وفي الفترة نفسها وقع نحو 100 مليون شخص إضافي تحت خط الفقر المدقع بسبب التداعيات الاقتصادية، وأصبحت حصة الدخل الفردي لأفقر 50% من الراشدين، أي نحو ثلاثة مليارات شخص، نصف ما كانت عليه في عام 1820.
وانطلاقاً من هذا الواقع المؤلم، يرى تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، «أن الأمن الصحي العالمي مهم للغاية ولا يمكن تركه للصدفة أو للنيات الحسنة، أو لتغيرات التيارات الجيوسياسية، أو المصالح الراسخة للشركات والمساهمين».
وفي الوقت نفسه أكدت مجموعة من 40 متخصصاً في الأمم المتحدة، في بيان أصدرته، أن «معالجة الأزمة الصحية بشكل منصف، يجب أن تأخذ بالاعتبار أرباح الشركات المتزايدة، وتخزين اللقاحات من قبل البلدان ذات الدخل المرتفع».
لكن تبقى المفارقة الكبرى بين الدول التي أصبحت أكثر ثراءً وتلك التي أصبحت أكثر فقراً، ما يعني أن الثروة الإجمالية توجد بأيدي القطاع الخاص. ومن هنا تبرز خطورة تداعيات «اللامساواة» في الدخل والثروة نتيجة غياب «العدالة الضريبية»، حيث تقدر قيمة التهرب الضريبي حول العالم بنحو 483 مليار دولار سنوياً، وهو مبلغ يكفي لتلقيح كل سكان الأرض بشكل كامل.
ويلاحظ أن الشركات متعددة الجنسيات هي المسؤولة عن النسبة الكبرى من «الخسائر الضريبية»، إذ قُدرت قيمة الضرائب التي تهربها بنحو 312 مليار دولار، بما يعادل 65% من مجمل التهرب الضريبي، وتقدر الأرباح التي تنقلها إلى «الملاذات الضريبية» بنحو 1100 مليار دولار، أي ما يعادل 40% من أرباحها.
مع العلم أنه من شأن هذا التهرب أن يشعل المنافسة بين الدول على جذب الاستثمارات من خلال خفض الضرائب على الأرباح، الأمر الذي يفاقم الخسائر في الإيرادات الضريبية المحتملة، لتصبح قيمةُ الخسائر غير المباشرة أضعاف الخسائر المباشرة، وفق تقرير صندوق النقد الدولي.
*عدنان كريمة كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية
المصدر| الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك: