رفض الولايات المتحدة وحلف الناتو تقديم ضمانات أمنية طلبتها روسيا دفع بالأزمة للهاوية.
استراتيجية تطويق روسيا بمد قوات الناتو إلى أوروبا الشرقية، المجال الحيوى لروسيا، هى أهم أسباب الأزمة الأوكرانية الحالية.
فرض اندلاع الأزمة على أمريكا تكريس تحالفاتها العسكرية بأوروبا وإعادة ترتيب الأولويات بما يعنى مزيدا من التراجع في الشرق الأوسط.
تراجع أمريكا في الشرق الأوسط ليس انسحابًا بل العمل عبر وكيل إقليمي وإسرائيل المرشح الأول لذلك خاصة بعد اتفاقات التطبيع مع دول عربية مؤخرًا.
انهار النظام الدولى الذى عرفه العالم منذ نهاية الحرب الباردة وغدت أزمة أوكرانيا إيذانًا بالمزيد من تراجع الشرق الأوسط في الاستراتيجية الأمريكية.
أزمة أوكرانيا كشفت أن هيكل النظام الدولى الذى أقامته أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها الغربيين يلفظ أنفاسه الأخيرة.
يشكل التحدي الروسى- الصينى المزدوج ضغطًا على السياسة الخارجية لأمريكا فقد كانت تستعد لتركيز إمكاناتها نحو الصين ضمن استراتيجية «المحور الآسيوى» وهي سبب تراجع الشرق الأوسط لديها.
* * *
بقلم: منار الشوربجي
أما وقد انهار النظام الدولى الذى عرفه العالم منذ نهاية الحرب الباردة، صارت الأزمة الأوكرانية إيذانًا بالمزيد من تراجع الشرق الأوسط فى الاستراتيجية الأمريكية.
فلا شك أن قضية أوكرانيا قد كشفت عن أن هيكل النظام الدولى الذى بنته الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية بما يخدم مصالحها هى وحلفائها الغربيين يلفظ أنفاسه الأخيرة.
فالتباين فى المواقف داخل ذلك التحالف كان شديد الوضوح فى الأزمة بما صار معه من المستحيل على الولايات المتحدة أن تفرض إملاءاتها على الأطراف الدولية الكبرى.
فألمانيا كانت آخر الملتحقين بالموقف الغربى فى قضية أوكرانيا، وظلت فرنسا حتى اللحظات الأخيرة تسعى للتوصل لحل عبر المفاوضات.
غير أن رفض الولايات المتحدة وحلف الناتو تقديم الضمانات الأمنية التى طلبتها روسيا دفع بالأزمة للهاوية. فقد طالبت روسيا بضمان عدم ضم أوكرانيا لحلف الناتو والحد من نشر قوات الحلف فى الشرق الأوروبى، والذى يمثل فى الواقع تنفيذًا لما تعهد به بوش الأب لغورباتشوف عشية انهيار الاتحاد السوفيتى.
وقد عزز الغموض الصينى المقصود من أزمة أوكرانيا من موقف روسيا. فوزير الخارجية الصينى عشية بدء الأزمة قال إنه «يتحتم احترام الاعتبارات الأمنية المشروعة للدول».
لكن الصين، التى أعلنت مع روسيا فى بيان مشترك قبل أسابيع عن «شراكة بلا حدود»، تحتفظ بعلاقات متميزة مع أوكرانيا. ومن هنا سعت الصين لاتخاذ موقف يحتفظ بتوازن حساس اتضح فى تصريحات ممثل الصين لدى الأمم المتحدة، الذى قال إن بلاده «سوف تستمر فى دعم المحادثات والسلام بطريقتها الخاصة»!
والتحدى الروسى- الصينى المزدوج صار يشكل ضغطًا على السياسة الخارجية الأمريكية. فالولايات المتحدة كانت تستعد لتركيز كل إمكاناتها شرقًا نحو الصين فى إطار الاستراتيجية التى أطلق عليها «المحور الآسيوى».
.. وهو السبب الرئيسى فى سعى الولايات المتحدة للتراجع فى الشرق الأوسط حتى تكثف من وجودها فى آسيا.
فالدوائر المهيمنة على صنع السياسة الخارجية الأمريكية صارت تعتبر الصين هى «التهديد الأول» لأمريكا اليوم. لكن الوضع فى أوكرانيا صار يفرض على أمريكا ليس فقط التوجه نحو آسيا وإنما تركيز جزء من مواردها وانتباهها نحو أوروبا.
فالواضح أن استراتيجية تطويق روسيا عبر مد قوات حلف الناتو بقوة إلى أوروبا الشرقية، المجال الحيوى لروسيا، هى أهم أسباب الأزمة الأوكرانية الحالية.
فروسيا اعتبرت ذلك الامتداد تهديدًا مباشرًا لأمنها القومى بسبب نشر نظم صاروخية من حولها، الأمر الذى جعل انضمام أوكرانيا، المتاخمة لها، للحلف تهديدًا وجوديًا لها.
وانفجار الأزمة صار يعنى أن على أمريكا أن تكرس من تحالفاتها ووجودها العسكرى فى أوروبا، وإعادة الحسابات وترتيب الأولويات بما قد يعنى المزيد من التراجع فى الشرق الأوسط للحد الأدنى.
والتراجع الأمريكي فى الشرق الأوسط لا يعنى انسحابًا منه بالمطلق، وإنما يعنى العمل، بقدر الإمكان، عبر وكيل إقليمى، إسرائيل هى المرشح الأول للعب دوره، خصوصًا بعد اتفاقات التطبيع التى عقدتها مع عدد من الدول العربية مؤخرًا.
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي
المصدر| المصري اليوم
موضوعات تهمك:
