هكذا يُستدعى التاريخ.. في الحُروب!

محمود زين الدين3 مارس 2022آخر تحديث :
التاريخ

استهل بوتين، الهجوم على أوكرانيا بخطابٍ حشد فيه التاريخ طامحاً في العودة لما قبل الحقبة السّوفييتية معرجاً على المذهب الديني!

«أوكرانيا ليست دولة جارة فحسب، إنما هي جزء مِن تاريخنا، بروسيا القيصيرية كان هناك ما يسمى الروس والمسيحيون، وهذا كان تاريخ روسيا القيصيرية..»

في الخلافات السياسية الحادة، لا يُستدعى التاريخ فقط بل الدين أيضاً، فالخلاف الروسي الأوكراني سبقه انشقاق بالكنيسة الأرثوذكسية على أساس تاريخي أيضا، مع أنَّ المذهب واحد.

* * *

بقلم: رشيد الخيون

استهل الرّئيس الروسي فلاديمير بوتين، الهجوم على أوكرانيا، بخطابٍ حشد فيه التاريخ، طامحاً في العودة إلى ما قبل حِقبة الاتحاد السّوفييتي، معرجاً على المذهب الديني، جاء في خطابه:
«أوكرانيا ليست دولة جارة فحسب، إنما هي جزء مِن تاريخنا، بروسيا القيصيرية كان هناك ما يسمى الروس والمسيحيون، وهذا كان تاريخ روسيا القيصيرية. لكنّ أوكرانيا المعاصرة بشكل كامل ومفصل قد شُكلت مِن قبل روسيا الشّيوعية، التي قامت عام 1917 بانتهاكات بحق روسيا، وحولت إلى كيان الاتحاد السُّوفييتي، وستالين ضم لأوكرانيا أراضي روسية.. ثم جاء خروشوف ومنح أوكرانيا جزيرة القرم، ولكن كلّ ذلك كان الاتحاد السوفييتي» (بُثَّ الخطاب من قناة العربية مترجماً).
معلوم أنَّ فكرة قيام الاتحاد السوفييتي كانت تقوم على مبدأ الأُممية، والتي تتجاوز الوطنية، على اعتبار أن الطبقة العمالية، التي هي عماد النظام، لا تؤمن بالحدود الجغرافية، وحسب خطاب بوتين كان ستالين يُهدي «الأراضي والشعوب» لتشكيل الاتحاد الأممي السوفييتي، فالحدود للعقيدة لا للجغرافيا، وبهذا يحتج القوميون عندما كانوا يناصرون مصر الناصريّة داخل العِراق، وحيث يمتد تنظيمهم، رافعين الشعار وصورة الزعيم القومي ضد بلدهم.
استدعاء أو استحضار التاريخ في الحروب حالة تكاد تكون عامة، ومِن غير تقديم المبرر لشن الحرب، في الدِّفاع أو الهجوم، يُشجع الجيش والمتطوعين على القتال والتفاني فيه، مِن أجل حقّ تاريخي أو هدف «سامي»، والقتال بلا هدف ولا عقيدة لا معنى له، فالأوامر العسكريَّة ليست كافية في القتال والإصرار على النَّصر.
فعندما اجتاح هتلر أوروبا، للسيطرة على العالم، أظهر تاريخاً وعقيدة للجيش الألماني، حسب النَّازية يكون «العرق الآري في قمة الهرم»، وقد طعم ذلك بعقيدة دينية، هي المسيحية الألمانية التي لا تشبه الكاثوليكية ولا البروتستانية(انظر: مقالات جواد علي، عقيدة النازية الدينية، في مجلة الرسالة 1939).
كذلك في الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، اِستُحضر تاريخ فتح العراق وبلاد فارس، وسميت مِن قِبل الجانب العِراقي بـ«القادسية الثَّانية»، على أنَّ القادسية الأولى، التي تم فيها إسقاط حُكم الأكاسرة(16 هجرية)، وكانوا على الدِّيانة المجوسية (الزَّرادشتية)، لهذا الاستحضار التاريخي معنى إعادة الفتح.
وقد بان ذلك عند الخلاف مع الحكم الشاهنشاهي (1969 وما بعدها)، يومها قربت آية الله الخميني ودعمته بشكل مباشر، حتى كانت محاضراته في ولاية الفقيه تُذاع من إذاعة بغداد القسم الفارسي، برنامج «النهضة الرُّوحيَّة» يقدمه محمود دعائي (فاطمة الطَّباطبائي، زوجة أحمد الخميني، ذكرياتي/ الموسوي الأصفهاني، الثَّورة البائسة).
فعند الخلاف مع إيران الشاهنشاهية سمي لواء الديوانية بمحافظة القادسية (1969)، حيث معارك الفتح دارت هناك، وسميت النَّاصرية بذي قار، استحضاراً لمعركة «ذي قار» مع الفرس قبل الإسلام.
أما الجانب الإيراني فاعتبر في إعلامه الحربي النظام العراقي كافراً، والحرب ضده إعادة الإسلام والإيمان، وتحرير الشعب العراقي المسلم، بدأ هذا الخطاب التكفيري قبل الحرب بشهور (أمالي السيد طالب الرِّفاعي).
ليس التاريخ فقط يُستحضر عند الخلافات السياسية الحادة، إنما الدين أيضاً، فالخلاف الروسي الأوكراني سبقه انشقاق في الكنيسة الأرثوذكسية، التي كانت واحدة قبل ثلاثمائة عام وثلاثة عقود، وقد تم أيضاً على أساس تاريخي، مع أنَّ المذهب واحد.

* د. رشيد الخيون كاتب عراقي
المصدر| الاتحاد – أبوظبي

موضوعات تهمك:

حرب اوكرانيا.. دوامة تصعيد واحتمالات عودة إجبارية للدبلوماسية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة