المطلوب خلق اقتصاد متنوع وقادر على مقاومة الصدمات المفاجئة ويحمي الناس والمجتمع بصورة مستدامة؟
يساعد ارتفاع سعر النفط الدول النفطية على خفض المديونية لكننا نأمل من بقية الدول العربية أن تكون لها هذه القدرة لكي لا تغرق في مستنقع الديون.
على دول العالم، وخاصة الدول النامية تبني رؤية اقتصادية جديدة تركز على تنمية الاقتصاد الحقيقي الذي أثبتت الأزمة أننا بحاجة لضخ استثمارات كبيرة فيه.
تدهور واسع النطاق لمؤشرات الديون في جميع البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل وتخطى ارتفاع المديونية الخارجية إجمالي الدخل القومي ونمو الصادرات.
بلغت المديونية العالمية مستويات مرتفعة وارتفعت الديون الخارجية للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مجتمعة بنسبة 5.3% في 2020 إلى 8.7 تريليون دولار.
* * *
بقلم: عدنان أحمد يوسف
شاهدت قبل عدة أيام لقاءً ممتعاً على قناة «سي إن بي سي» العربية مع الوزير الأردني السابق الدكتور أحمد ذوقان الهنداوي يتحدث عن المديونية العالمية، وما شدني في حديثه تطرقه لعدد من القضايا التي سبق أن تبنينا طرحها عدة مرات لدى معالجتنا موضوع المديونية العالمية في مقالات سابقة، ونحن بذلك نعتز بتبني هذه القضايا من قبل عدد متزايد من الاقتصاديين البارزين.
في مطلع العام 2021 وفي إطار رؤيتنا الاستشرافية للتطورات الاقتصادية العالمية خلال العام وعند تناولنا للإجراءات التيسيرية التي اتخذت بعد تفشي وباء كورونا لدعم البنوك والمؤسسات المالية للتوسع في تمويل الاقتصاد، أشدنا بهذه الإجراءات لكن حذرنا في نفس الوقت من أن تجربة استخدامها بعد أزمة العام 2008 أثبت أن لها الكثير من الآثار الجانبية السلبية.
خاصة فيما يخص تشجيع تراكم الديون على الشركات والحكومات، ودفع البنوك والمستثمرين للمضاربات والاستثمار في أصول منخفضة النوعية، خاصة أن الحاجة للإنفاق من المالية العامة وانهيار مستويات الإنتاج أديا إلى ارتفاع الديون السيادية العالمية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وخلصنا في المقال إلى القول إن على دول العالم، وخاصة الدول النامية، أن تسعى لتبني رؤية اقتصادية جديدة تقوم على التركيز على تنمية الاقتصاد الحقيقي الذي أثبتت الأزمة أننا بحاجة لضخ استثمارات كبيرة فيه، مثل قطاعات التعليم والصحة والصناعات المعرفية والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية لكي نخلق تنوعاً في الاقتصاد أولاً، وثانياً لكي نخلق اقتصاداً قادراً على مقاومة الصدمات المفاجئة ويحمي البشر والمجتمع بصورة مستدامة.
في يناير الماضي أصدر البنك الدولي تقرير «المديونية العالمية 2022» أكد ارتفاع المديونية العالمية إلى مستويات مرتفعة، وأن أرصدة الديون الخارجية للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مجتمعة قد ارتفعت بنسبة 5.3% في عام 2020 لتصل إلى 8.7 تريليون دولار.
ويشير التقرير إلى أنه من الضروري اتباع نهج شامل لإدارة الديون لمساعدة البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل على تقييم المخاطر وتقليصها والوصول بمستويات الدين إلى حدود يمكن الاستمرار في تحملها.
ويشير التقرير إلى أن التدهور في مؤشرات الديون كان واسع النطاق، وأنه أثر في البلدان في جميع المناطق. وفي جميع البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، تخطى ارتفاع المديونية الخارجية إجمالي الدخل القومي ونمو الصادرات.
وارتفعت نسبة الديون الخارجية إلى إجمالي الدخل القومي للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل (باستبعاد الصين) إلى 42% في 2020 من 37% في 2019، بينما زادت نسبة ديونها إلى صادراتها إلى 154% في 2020 من 126% في 2019.
وتبلغ قيمة إجمالي الدين العام العالمي (دول وحكومات وشركات ومؤسسات قطاع خاص وأفراد) 226 تريليون دولار (226 ألف مليار دولار) بنسبة 256% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وزادت هذه النسبة بمقدار 30% خلال عام 2020 (من 225% إلى 256%)، مقارنة مع زيادة مقدارها 20% خلال عامي الأزمة المالية 2007-2009 (من 195% إلى 215%) و10% فقط خلال العشرة أعوام التي تلتها بين 2009-2019 (من 215% إلى 225%). والزيادة الكبيرة جداً (30%) في حجم الاقتراض إلى نسبة للناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2020 كان مرده الإجراءات الحكومية الصحية والاقتصادية للتعامل مع الجائحة، والتي انطوت عليها نفقات كبيرة طارئة لم يكن مخططاً لها في موازنات 2020، مما اضطر حكومات العالم للاقتراض بشكل كبير.
طبعاً تشير الكثير من التوقعات إلى قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة خلال العام 2022 نتيجة ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة والتعافي التدريجي. وهذا بطبيعة الحال سوف يرفع أعباء المديونية العالمية، وخاصة الدول النامية ليس فقط من خلال ارتفاع حجم خدمة الديون، بل أيضاً خروج جانب من رؤوس الأموال المستثمرة في محافظ لديها إلى الأسواق المتقدمة تحت إغراء ارتفاع سعر الفائدة لديها.
ونعود لبعض ما أشار إليه الدكتور أحمد الهنداوي في مقابلته، حيث دعا أيضاً دول العالم، وخاصة في الدول النامية، أن تخرج من عقلية إدارة الاقتصاد الوطني من منظور مالي فحسب (سد العجز في الموازنة وتخفيف نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي)، وجعله كالمنظور الموجّه الرئيس لتخطيط وتوجيه الاقتصاد وإعداد الموازنات. بل يجب عليها أن تجعل تفكيرها وعملها استشرافياً مبادراً بجعل تحفيز النمو الاقتصادي المستدام هدفاً أسمى موجهاً لها.
بالفعل وتحت ضغوط الجائحة وانخفاض الإيرادات والحاجة للإنفاق الاستثنائي على دعم المواطنين والمنشآت، خاصة مع انخفاض سعر الفائدة العامين الماضيين، لجأت الكثير من الدول إلى الاقتراض، وهذه حالة استثنائية يجب أن يكون لدى الدول، وخاصة دولنا العربية، خريطة طريق واضحة للقدرة على إعادتها إلى وضعها الطبيعي من خلال التركيز على تنمية الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل.
إن الدول النفطية سوف يساعدها ارتفاع سعر النفط على ذلك، لكننا نأمل من بقية الدول العربية أيضاً أن تكون لها هذه القدرة لكي لا تغرق في مستنقع الديون.
* عدنان أحمد يوسف رئيس جمعية مصارف البحرين، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً
المصدر| الخليج
موضوعات تهمك: