ستستفيد إيران من التنافس المتصاعد بين أمريكا والمحور الإستراتيجي الروسي الصيني، الذي يَعُدُّ إيران حليفًا ضد الأمريكيين.
أزمة أوكرانيا يمكن أن تعمل على تسريع وتيرة التهديدات القديمة والجديدة على حد سواء، ولكنها قد تولِّد أيضًا بعض النتائج الإيجابية لإسرائيل.
نجاح الخطة الروسية للسيطرة على أوكرانيا قد يترتب عليه أيضًا عواقب وخيمة لإسرائيل والشرق الأوسط وسيتزايد التهديد الإيراني ضد إسرائيل.
يفترض أن الروس سينفِّذون خطتهم الإستراتيجية قريبًا وسيَسْعون لتغيير النظام في كييف وإذا تحقَّق لهم هذا فستنازع روسيا أمريكا مكانتها كقوة عالمية مهيمنة.
قد تتوصَّل أمريكا لاستنتاج أنه لا بديل للشرق الأوسط كأصل استراتيجيّ ثمين وحيويّ لأمنها القومي، ونتيجةً لذلك، فقد تبطئ من جهودها للانسحاب من المنطقة.
المصلحة الإسرائيلية الروسية لكبح نفوذ إيران بسوريا قد لا تشهد تغييرا لحرص روسيا على موقعها كقوة مهيمنة بسوريا لكنَّ هذا يتطلب من إسرائيل حكمة في أزمة أوكرانيا.
* * *
سلَّط الجنرال الإسرائيلي السابق عاموس جلعاد، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقًا، الضوء على التحركات الروسية الجارية على الحدود الأوكرانية، مرجِّحًا أن المواجهة الجارية على الحدود الأوكرانية ربما تعمل على تسريع وتيرة التهديدات القديمة والجديدة التي تواجهها إسرائيل، ولكنها قد تُثبِت أيضًا أنها «عطية إلهية» لإسرائيل وحلفائها الإقليميين، لذلك يجب على تل أبيب أن تتعامل بحذر مع هذه القضية.
يأتي ذلك في مقاله الذي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، والذي أشار في مطلعه إلى أنه خلال الأيام القليلة الماضية، كان العالم على شفا كارثة تتعلق بتطوراتٍ تاريخية تتمحور حول القرار الحاسم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعادة أوكرانيا ودول الاتحاد السوفيتي السابقة الأخرى إلى مجال النفوذ الروسي.
وهذه خطوة محسوبة جيدًا في ظل إستراتيجية واضحة، مصحوبةً بإرادةٍ قوية للقيام بكل ما تتطلبه هذه الخطوة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو العسكري، بما في ذلك خطر المواجهة المباشرة (حتى وإن لم تكن عسكرية) مع الولايات المتحدة.
هل ينجح بوتين في إنشاء نظام عالمي متعدد التكافؤ؟
ويلفت جلعاد إلى أنه بالنظر إلى السوابق التي وقعت في الماضي – جورجيا وكازاخستان وبيلاروسيا وسوريا – إلى جانب المعلومات الاستخباراتية عالية الجودة التي تشاركها الولايات المتحدة علنًا مع بقية العالم، سيكون من الآمن افتراض أن الروس سينفِّذون خطتهم الإستراتيجية قريبًا وسيَسْعون لإحداث تغيير النظام في العاصمة الأوكرانية كييف، وإذا تحقَّق لهم مثل هذا الهدف، فإن روسيا سوف تنازع الولايات المتحدة مكانتها بوصفها القوة العالمية المهيمنة.
وربما يتَّخذ بوتين قراره هذا انطلاقًا من رؤيته لاستعادة مجد روسيا وإحياء أيام الاتحاد السوفيتي الغابرة، ومن تقييمه بأن الولايات المتحدة والغرب في الوقت الحالي في أدنى مستوًى تاريخي لهما، ومن شأن ذلك أن يتيح له إنشاء نظام عالمي متعدد التكافؤ، وذلك بمساعدة الصين بصفتها قوة صاعدة.
وعلى الرغم من أن روسيا تخاطر بانتكاسة اقتصادية قاسية ربما تتعرَّض لها (بسبب العقوبات التي يمكن أن تفرضها الولايات المتحدة والغرب ضدها)، يبدو أن الروس أعدُّوا العدَّة لذلك وهم على قناعة بإمكانية إعادة تحقيق نجاحاتهم الأخيرة وقطف الثمرة اليانعة بالمعنى التاريخي الأكثر استثنائية – من وجهة نظرهم – واستعادة السيطرة على أوكرانيا بوصف ذلك جزءًا من رؤيتهم الخاصة بروسيا الكبرى.
ما علاقة إيران بما يجري؟
وألمح جلعاد إلى أنه في الوقت نفسه، تُعد روسيا أيضًا طرفًا فاعلًا، إلى جانب الولايات المتحدة والغرب، في التوصُّل إلى اتفاق لتقييد مساعي إيران لامتلاك سلاح نووي (محادثات فيينا).
وفيما يتعلق بالمحور الإستراتيجي بين موسكو وبكين، يبدو أن الصينيين يتَّخذون نهجًا أكثر حذرًا، كعادتهم دائمًا، ومع ذلك، يرفع الرئيسان الصيني والروسي من مستوى التقارب الشامل بين البلدين ضد منافسهما المشترك – الولايات المتحدة، ويفترضان في الوقت نفسه أن أوروبا حليف محدود القوة.
ويرى جلعاد أنه من الآمن افتراض أن نجاح الخطة الروسية للسيطرة على أوكرانيا بطريقة أو بأخرى، قد يترتب عليه أيضًا عواقب وخيمة على إسرائيل والشرق الأوسط، وسيتزايد التهديد الإيراني ضد إسرائيل والدول العربية الأخرى في المنطقة؛ إذ تعمل إيران على تطوير قدرات هجومية مثيرة للإعجاب تهدف إلى تدمير البنية التحتية المدنية الإستراتيجية في إسرائيل والدول العربية، بحسب جلعاد، وفي الوقت نفسه تسعى أيضًا إلى ترسيخ أقدامها وبَسْط نفوذها في الدول «الفاشلة» في المنطقة.
وفي حال جرى التوصُّل إلى ثمة اتفاق، فستحصل إيران على تفويض مطلق لمواصلة بناء نفسها عسكريًّا وستتمتع بقدرات اقتصادية غير مسبوقة تحت تصرفها نتيجةً لرفع العقوبات. وبالإضافة إلى ذلك، سيؤجل مثل هذا الاتفاق (على نحو كبير) تطوير قدراتها النووية العسكرية، لكنه لن يمنعها.
ومن ناحية أخرى، وفي حال لم يجرِ التوصُّل إلى مثل هذا الاتفاق، فستواصل إيران بناء قدراتها العسكرية دون رادع. وفي كلتا الحالتين، ستستفيد إيران من التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والمحور الإستراتيجي الروسي الصيني، الذي يَعُدُّ إيران حليفًا ضد الأمريكيين.
ومع ذلك، قد يطرح هذا الوضع أيضًا فرصًا أمام إسرائيل، إذ قد تتوصَّل الولايات المتحدة إلى استنتاج مفاده أنه لا يوجد بديل للشرق الأوسط بوصفه أصلًا إستراتيجيًّا ثمينًا وحيويًّا لأمنها القومي، ونتيجةً لذلك، فربما تبطئ من جهودها للانسحاب من المنطقة.
وستستمر الولايات المتحدة في الاعتماد على نفط المنطقة وستُقدِّم دعمًا هائلًا لإسرائيل والدول العربية في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، ستواصل إسرائيل توسيع قوتها وستعتمد اعتمادًا أكبر على التحالف مع الولايات المتحدة، ويرى جلعاد أنه من الآمن أيضًا الافتراض أن إسرائيل ستعزز علاقاتها الأمنية الإستراتيجية مع الدول العربية السُنِّية القادرة على الحفاظ على استقرارها على نحو مثير للإعجاب.
وفي خِضَم كل هذه التطورات والأحداث في المنطقة، يبدو أن الدول العربية تنظر إلى إسرائيل بوصفها شريكًا إستراتيجيًّا، خاصة بعد انضمامها إلى القيادة المركزية للولايات المتحدة – وهي إطار أمريكي يُشرِف على مجموعة متنوعة من التحالفات العسكرية والاستخباراتية بين دول الشرق الأوسط. ولهذا الإنجاز أهمية استثنائية للأمن القومي لإسرائيل.
ومن المفارقات أن المصلحة الإسرائيلية الروسية المشتركة لكبح نفوذ إيران في سوريا قد لا يطرأ عليها أي تغيير، لأن روسيا مهتمة بالحفاظ على موقعها بوصفها قوة مهيمنة في سوريا، لكنَّ هذا يتطلب من إسرائيل التصرف بحكمة فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا.
وفي ختام مقاله، خلُص الجنرال الإسرائيلي السابق إلى أن أزمة أوكرانيا يمكن أن تعمل على تسريع وتيرة التهديدات القديمة والجديدة على حد سواء، ولكنها قد تولِّد أيضًا بعض النتائج الإيجابية لإسرائيل. لذلك، يجب على إسرائيل دراسة كلا المخططين الزمنيين بعناية.
المصدر| ساسة بوست
موضوعات تهمك: