اعتقالات الأردن «رسالة بتوقيت» والعنوان «إن عدتم عدنا».
تصر المؤسسة الأمنية على أن اعتقالات أخيرة طالت نشطاء الحراك الشعبي لا علاقة لها بحريات التعبير ولا بأي سقف أو ملف سياسي.
الاعتقالات تقول ضمنا لبقية النشطاء والمعارضين بالداخل أن التغاضي عن ما يقوله شبيلات لأي سبب لا يعني التغاضي عن رفع السقف بنفس الطريقة عند الآخرين.
الشارع ومنصات الاعتراض والمعارضة والاحتجاج يتحدثان عن اعتقالات ومداهمات بخلفية سياسية انتقدتها جبهة العمل الإسلامي وأوساط حقوقية ونقابية.
حالة احتقان أعقبت إعلان شبيلات في عمان برنامجه المتعلق ببند واحد هو استعادة أموال الدولة بعبارات قاسية وخشنة يؤسس فيها شبيلات لحالة استفزاز مقصودة وقد أعلن أيضا ان «الموت طاب» وانه جاهز للاعتقال أو حتى للموت.
* * *
بقلم: بسام البدارين
بالنسبة للعقل الأمني في مديرية الأمن العام الأردنية الاعتقالات الأخيرة التي جرت وطالت نحو عشرة من نشطاء الحراك الشعبي و«مناضليه» في الشبكة الإلكترونية على حد وصفهم لأنفسهم، قد يكون له ما يبرره في ضوء الحديث عن إنحرافات جنائية وقانونية بالتعبير والإحتجاج والمعارضة، وطلبات قضائية تم تنفيذها من قبل جهة الإختصاص أكثر من وجود طابع سياسي لتلك التوقيفات التي أثارت الجدل مجددا.
سقف التعبير والتجريح أحيانا والإساءة خارج سياق القانون خصوصا باتجاه القيادات العليا ارتفع على نحو ملموس بعد عودة المعارض الذي أثار الحيرة والغموض ليث شبيلات.
بمعنى أو بآخر أوضح مصدر أمني في تصريح منقول عدم وجود أي خلفية سياسية للاعتقالات التي جرت مؤخرا في الأردن.
وهذا يعني الإصرار من جهة المؤسسة الأمنية على ان المسألة لا علاقة لها بحريات التعبير ولا علاقة لها بأي سقف أو ملف سياسي. وقد كان ذلك واضحا تماما من صيغة التوضيح الذي أدلى به ونشر في عمان على نطاق واسع، مصدر أمني شرح بان التوقيفات التي تخللتها مداهمات لا تتعلق بأي نشاط سياسي من أي نوع بل بمطلوبين للسلطات القضائية على ذمة بعض القضايا ومن بينها قضايا مرتبطة بجرائم إلكترونية.
طبعا الشارع ومنصات التواصل التي ترفع شعار الاعتراض والمعارضة والإحتجاج لا يشتريان هذه الرواية في مسار الأحداث، ويتحدثان عن اعتقالات ومداهمات بخلفية سياسية انتقدها حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض والعديد من الأوساط الحقوقية وحتى النقابية بما في ذلك نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي.
والمسألة في ملف تلك الاعتقالات والتوقيفات أعقد بكثير من ما تبدو.
وعلى الأرجح تلك الوجبة من اعتقالات بعض النشطاء الذين رفعوا السقف وأطالوا اللسان بطريقة من الصعب ان تنكرها أو تتجاهلها الدولة والمؤسسات الأمنية نتجت عن حالة احتقان أعقبت إعلان المعارض شبيلات في عمان عن برنامجه المتعلق ببند واحد هو استعادة أموال الدولة، حيث ألفاظ وشتائم وعبارات قاسية وخشنة يؤسس فيها شبيلات لحالة استفزاز مقصودة خصوصا وانه أعلن أيضا ان «الموت طاب» وانه جاهز للاعتقال أو حتى للموت.
وبالتالي كأن المعارض العريق بمهمة «انتحارية» وهو تعبير استعمله أقرب المقربين منه الناشط النقابي الإسلامي ميسرة ملص.
ورأى كثيرون أن الخط الانتحاري هنا لا يليق بشبيلات إلا انه طلب من السلطات في حال اعتقاله رغم تجاوزه الثمانين عاما تجهيز غرفة سجن صالحة لوضعه الصحي وفيها أجهزة كهربائية لأنه ينام على جهاز تنفس ووضعه الصحي صعب.
بمعنى شبيلات هنا يستفز السلطات لا بل يتحداها مع ان أحدا من الأجهزة والمؤسسات الأمنية لم يتعرض له حتى بعد ظهر الخميس الماضي حيث لا استدعاء ولا اعتقال ولا إجراء لأكثر من أسبوع.
بالمقابل تلك الاعتقالات تريد ان تقول ضمنا وبشكل عميق لبقية النشطاء والمعارضين في الداخل بأن التغاضي عن ما يقوله شبيلات لأي سبب لا يعني التغاضي عن رفع السقف بنفس الطريقة عند الآخرين.
وبالتالي تؤمن المؤسسة الأمنية بان لديها من المعطيات والمعلومات والبيانات والإفادات ما يكفي لتنفيذ اعتقالات عند محاولة أي من الأشخاص أو نشطاء الحراك الشعبي رفع السقف واختطاف الميكرفون والتأسيس لحالة اعتداء على الدولة والنظام وعلى القيادة أيضا وبدون مبررات. وبمعنى أيضا ان المسكوت عنه في قصة شبيلات لأسباب يعرفها أو يقدرها الجميع قد لا يعني السكوت بنفس الطريقة على الآخرين.
من هنا فيما يبدو نفذت تلك الاعتقالات التي أثارت الوسط الحقوقي قبل التوضيح الأمني الذي نفى تماما وجود خلفية سياسية وعلى أساس ان حريات التعبير لا تؤدي إلى ردة فعل أمنية باعتقال أو محاكمة.
عموما لتلك الاعتقالات والتوقيفات أيضا آثار، فهي تدلل على حصول بعض التجاذب إلى حد ما والخلافات حتى داخل بعض المؤسسات البيروقراطية والتنفيذية بالمدلول الأمني خلافا لأنها تأتي في وقت حرج وخوفا من استغلال نشطاء الحراك الشعبي للحالة التي أسس لها المعارض شبيلات.
في الوقت نفسه ارتفع، النشاط الحقوقي ارتفع تماما للتنديد بتلك الاعتقالات وان كانت السلطات الأمنية تريد ان توجه رسالتها فقط في إطار حكم القانون إلا ان المداهمات وشكل عملية الاعتقال وما نتج عنهما يؤشر مرة جديدة على جاهزية منصات التواصل الحراكية لإلتقاط الإشارات والتفاعل معها.
أحد المواطنين بعد اعتقال ابنه رفع علم الأمم المتحدة وآخرون أصدروا بيانات يحتمون فيها بالقبيلة والمحاولة بدت واضحة وان كانت بائسة لربط اعتقالات بأبناء العشائر واستهدافها.
إلا ان المسألة في واقعها قانونية وجنائية ولها أساس من حيث التصرف واتخاذ المبادرة في الميدان حتى وإن كانت الخلفية السياسية اليتيمة هي تلك الرسالة الضمنية التي تقول فيها جهات الاختصاص لمن يرفع السقف «إن عدتم عدنا».
* بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك: