يتنامى التطرف الهندوسي السياسي والإعلامي وحتى التطرف الخشن بالاشتباك المباشر في الهند.
التعاطي الحكومي يتطلب من الأقليات كلها التضامن فيما بينها لمواجهة مساعي تهميش الأغلبية للأقليات مسلمة أو مسيحية أو سيخية وإلا ستدفع ثمنا قريبا.
اللافت والغريب أن المنظمات الحقوقية والنسوية التزمت تقريباً الصمت تجاه التعدّيات على حقوق المرأة التي جعلت منها هذه المنظمات مادة للتدخل بشؤون العرب والمسلمين.
* * *
بقلم: أحمد موفق زيدان
أعادت حادثة مضايقة الطالبات في كليات ولاية كارنتاكا لارتدائهن الحجاب إلى الواجهة قصة المسلمين في الهند، وما يتعرضون إليه من صنوف الوسائل والتكتيكات لمسخ هويتهم وتهميشهم، في ظل حكم الحزب الهندوسي المتطرف” جاناتا بارتي”، وعلى الفور عبّر المسلمون الهنود في المنطقة عن غضبهم وتبرمهم من المضايقات، فأغلقت المدارس أبوابها لثلاثة أيام احتجاجاً على هذه المضايقات.
وكانت القصة قد بدأت في يناير من العام الحالي حين منعت إدارة الكلية 6 طالبات من الدخول إلى صفوف الدراسة بغطاء الرأس، فرفضت الطالبات ذلك، تبعه انقضاض متطرفين هندوس على الكلية وغيرها من الكليات في منطقة أودويني، بالولاية، مرتدين ملابسهم الهندوسية الخاصة كاستفزاز لجميع المسلمين في المنطقة.
عزز قرار الكلية والمديرية قيام حكومة الولاية بنفسها المحكومة من قبل الحزب الهندوسي المتطرف بإصدار قرار يحظر لبس ما يعكر صفو القانون العام، في إشارة إلى غطاء الرأس الإسلامي، فلجأ المسلمون إلى رفع قضية في المحكمة العليا التي بدأت تنظر في قرار غطاء الرأس وحظره.
يشكل المسلمون في الهند 12% من سكان ثاني أكبر بلد في العالم بعدد السكان بعد الصين، وللأسف لم يلقَ التضامن مع المسلمين الهنود بدعم كبير وسط النخب المثقفة والسياسة الهندوسية، سوى من راؤول غاندي عن حزب المؤتمر الهندي، الذي اعتبر هذا اعتداء على الحقوق الأساسية للمواطنين، ولكن بالمجمل حرصت الأحزاب السياسية الهندية على الصمت، ومعها النخب الإعلامية وغيرها، إذ يدرك الجميع اتجاه المجتمع الهندي إلى التطرف بعيداً عن العلمانية التي أرادها له غاندي وغيره من الآباء المؤسسين.
وقد ظهر التطرف الهندوسي بشكله الفاقع على يد الحزب الهندوسي المتطرف الحالي بزعامة رئيس الوزراء مودي، عام 1992 حين أصرّ الحزب وهو الذي لم يكن يملك أغلبية مقاعد برلمانية، فهدم المسجد البابري التاريخي بحجة أن قبر معبود الهندوس” رام” في مكان المسجد. وقد تسبب ذلك يومها بانتفاضة كبيرة للمسلمين كادت أن تؤدي إلى مواجهة بين الأقلية المسلمة والأغلبية الهندوسية.
ولوحظ لكل ذي عينين أن المضايقات للمسلمين في الهند قد تزايدت، وسبق هذا عقد مؤتمر للمتطرفين الهنود تحت سمع وبصر الحكومة المتطرفة حضره 150 شخصية مهمة دعوا إلى إبادة المسلمين وتهميشهم، وفرض هندوسية الهند، التي تسمى هندوتفا وتعني عودة الهند القديمة، والتي تمتد حدودها إلى مكة كما يقولون، وهو ما تسبب في غضبة على مستوى العالمين العربي والإسلامي. لكن لم تقتصر هذه الاستفزازات على مسلمي الهند وإنما امتدت لتشمل المسيحيين في الهند، حين رأت بعض القوى المتطرفة الهندوسية الفاعلة بأن المسيحيين يسعون إلى تحويل الهندوس إلى الديانة المسيحية، مما قد يغير في تركيبة الهند الديمغرافية على حد زعمهم، وهو الأمر الذي تعدّاه إلى السيخ أيضاً.
بكل تأكيد مثل هذا التعاطي يتطلب من الأقليات كلها التضامن فيما بينها لمواجهة مساعي تهميش الأغلبية للأقليات إن كانت مسلمة أو مسيحية أو سيخية، وإلاّ فإن الكل سيدفع ثمناً، قد لا يكون بعيداً، وإنما قريباً في ظل تنامي ظاهر التطرف السياسي والإعلامي وحتى التطرف الخشن بالاشتباك المباشر في ذلك البلد.
لكن اللافت والغريب هو أن المنظمات الحقوقية والنسوية التزمت تقريباً الصمت تجاه كل هذه التعدّيات على حقوق المرأة التي طالما جعلت منها هذه المنظمات مادة للتدخل في شؤون العالم العربي والإسلامي.
* د. أحمد موفق زيدان كاتب صحفي وإعلامي سوري
المصدر| الشرق – الدوحة
موضوعات تهمك: