يأتي بناء الإنسان على رأس الأولويات التي تؤسس للقوة الناعمة وهي العملية التي تتم داخل إطارين مركزيين هما الأسرة أولا والمدرسة ثانيا.
أصل القوّة الناعمة الإنسان القادر على تحقيق مجتمع العدل والاكتفاء وبناء أسباب القوة الناعمة القادرة على تحقيق ما تعجز عن تحقيقه القوى الصلبة.
صلابة المجتمعات وقدرتها على تحقيق متانة أبنيتها الثقافية والقيمية والعلمية ستكون قادرة على تحصينها من محاولات الاختراق الخارجي أو التفكك الداخلي.
السياق التاريخي لمسارات الدول يوجب إعادة النظر في حجم القوتين الناعمة والصلبة من ناحية القدرة على الفعل وردّ الفعل ونصيب المنطقة العربية من هذه المعادلة المُحدّدة لمصير الدول.
* * *
بقلم: محمد هنيد
تميّز الأدبيات السياسية والإعلامية بين قوتين واحدة صلبة وأخرى ناعمة.
أما القوة الصلبة فنقصد بها القوة المادية الناتجة عن الإنتاج الصناعي أو العسكري بشكل عام وتتجلى القوة الناعمة في الفعل الدبلوماسي خاصة وفي قدرات الدولة والمجتمع على إنتاج أنماط ثقافية تحقق مناعة المجتمع والمجموعة البشرية المنتجة لها.
لكنّ السياق التاريخي العام لمسارات الدول اليوم يوجب إعادة النظر في حجم كلتا القوتين من ناحية القدرة على الفعل وردّ الفعل ونصيب المنطقة العربية من هذه المعادلة المُحدّدة لمصير الدول.
بلغ حجم التنافس الصناعي والعسكري أوجه اليوم بعد القدرات التدميرية الهائلة للأسلحة الجديدة وهو الأمر الذي يقلل من احتمال اندلاع حروب كبرى أو شاملة.
هذه الفرضية تجعل من فرص تصادم القوى الصلبة عبر العالم أمرا مستبعدا بسبب قدرته على إحداث ضرر بالغ في صفوف الفريقين المتواجهين. وهي الفرضية التي تفتح لعناصر القوة الناعمة المجال الأبرز لتصبح ساحة حقيقية للمواجهات القادمة.
الذكاء الاصطناعي والإنتاج العلمي والثقافي والفني والمنظومات القيمية والعقائدية وكذا عناصر النظام الحقوقية والحريات الفردية والجماعية والأطر الأخلاقية للفرد والجماعة في مجتمع ما هي التي ستمثل في المستقبل مدار الصراع بين الأمم والشعوب.
إن صلابة المجتمعات وقدرتها على تحقيق متانة أبنيتها الثقافية والقيمية والعلمية هي التي ستكون قادرة على تحصينها من كل محاولات الاختراق الخارجي أو التفكك الداخلي.
في هذا السياق يأتي بناء الإنسان على رأس الأولويات التي تؤسس للقوة الناعمة وهي العملية التي تتم داخل إطارين مركزيين هما الأسرة أولا والمدرسة ثانيا.
أي أن التربية والتعليم هما أوّل شروط إنجاح القدرة على تحقيق القوة الناعمة أو بعبارة أدق تحقيق أسس القوة الناعمة الضامنة لنجاعة بقية القوى. دون تحقيق هذا الشرط المركزي في عملية البناء الحضاري فإنه لا يمكن لأي كيان اجتماعي أو سياسي أن يكتسب شروط القوة الناعمة والصلبة معا لأن بناء الإنسان هو أساس كل الأبنية.
في البلاد العربية لا نكاد نظفر بمنوال تربوي ناجع ينشد بناء الإنسان ويجذّر أصوله في بنيته العربية الإسلامية تجذيرا عقلانيا علميا واعيا إلا في حالات نادرة.
وهو الأمر الذي يكشف الهوّة الشاسعة التي تفصلنا عن شروط الخروج من التبعية والتخلّف فلا ضمان للأمن والاستقرار إلا بتحقيق هذا الشرط الحضاري قبل كل الشروط الأخرى.
إن أصل القوّة الناعمة هو الإنسان القادر وحده على تحقيق مجتمع العدل والاكتفاء وبناء أسباب القوة الناعمة القادرة على تحقيق ما تعجز عن تحقيقه كل القوى الصلبة مجتمعة.
* د. محمد هنيد أستاذ محاضر في العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس.
المصدر| الوطن – الدوحة
موضوعات تهمك: