هل ثبت أن التحذيرات بشأن التطرف اليميني مبالغ فيها أو كان أولئك الذين يرفضون تلك التحذيرات باعتبارها «مثيرة للقلق» على حق؟!
التنديد بنظرية العرق النقدية هو في الأساس غطاء لأجندة أكبر بكثير: محاولة لمنع المدارس من تدريس أي شيء يجعل اليمينيين غير مرتاحين!
أثار «الجمهوريون» جدلاً كبيرا بشجبهم تدريس نظرية العرق النقدية ونجحت الاستراتيجية رغم أن معظم الناخبين لا فكرة لديهم عنها ولا تُدرّس بالمدارس العامة.
* * *
بقلم: بول كروغمان
يحب الأميركيون أن يفكروا في أمتهم باعتبارها منارة للحرية. وعلى الرغم من كل الطرق التي فشلنا بها في الارتقاء إلى مستوى صورتنا الذاتية، وقبل كل شيء المظالم الكثيرة التي نشأت عن خطيئة العبودية الأصلية – كانت الحرية -ليس فقط الانتخابات الحرة، ولكن أيضاً حرية التعبير والفكر – لوقت طويل عنصرا أساسيا في الفكرة الأميركية.
لكن الحرية الآن تتعرض للهجوم على جبهات أكثر مما يدرك الكثير من الناس. الكل يعرف الكذبة الكبرى، رفض غالبية كبيرة من «الجمهوريين» قبول شرعية انتخابات خاسرة.
لكن هناك العديد من المجالات الأخرى التي لا تتعرض فيها الحرية للاعتداء فحسب، بل تتراجع فيها. دعونا نتحدث، على وجه الخصوص، عن الهجوم على التعليم، خاصة ولكن ليس فقط في فلوريدا، التي أصبحت أحد المختبرات الأميركية الرائدة في مجال التآكل الديمقراطي.
لقد أثار «الجمهوريون» جدلاً سياسياً كبيرا من خلال شجبهم تدريس نظرية العرق النقدية، ونجحت هذه الاستراتيجية رغم أن معظم الناخبين ليس لديهم فكرة عن ماهية هذه النظرية ولا يتم تدريسها في الواقع في المدارس العامة.
لكن الحقائق في هذه الحالة لا تهم، لأن التنديد بنظرية العرق النقدية هو في الأساس غطاء لأجندة أكبر بكثير: محاولة لمنع المدارس من تدريس أي شيء يجعل اليمينيين غير مرتاحين.
إنني أستخدم هذه الكلمة الأخيرة بحذر: هناك مشروع قانون مقدم في مجلس الشيوخ في فلوريدا يعلن أنه «لا ينبغي جعل الفرد يشعر بعدم الراحة أو الذنب أو الكرب أو أي شكل آخر من أشكال الضيق النفسي بسبب عرقه أو عرقها». أي أن المعيار لما يمكن تدريسه ليس «هل هذا حقيقي؟ وهل يؤيده إجماع العلماء؟» بل بالأحرى «هل هذا يجعل بعض الفئات المستهدفة غير مرتاحة؟».
أي شخص يميل إلى وضع تفسير غير ضار على هذه المادة – ربما يتعلق الأمر فقط بعدم تحديد ذنب جماعي؟ – يجب أن يقرأ نص مشروع القانون.
فهو، من بين أمور أخرى، يستشهد بالمثالين الرئيسيين للأشياء التي يجب ألا تحدث في المدارس «إنكار الهولوكوست أو التقليل من شأنها، وتدريس نظرية العرق النقدي» – لأن الإشارة إلى أن «العنصرية متأصلة في المجتمع الأميركي» (تعريف مشروع القانون للنظرية) هو تماماً مثل إنكار قتل هتلر لستة ملايين يهودي. ومع ذلك، فإن المدهش حقاً هو فكرة أنه يجب منع المدارس من تدريس أي شيء يسبب «عدم الراحة» بين الطلاب وأولياء أمورهم.
إذا كنت تتخيل أن تأثيرات تطبيق هذا المبدأ ستقتصر على التدريس حول العلاقات العرقية، فأنت بذلك تكون ساذجاً تماماً. لسبب واحد هو أن العنصرية أبعد ما تكون عن كونها الموضوع الوحيد المزعج في التاريخ الأميركي. أنا متأكد من أن بعض الطلاب سيجدون أن قصة قيامنا بغزو العراق – أو كيف انخرطنا في فيتنام – تجعلهم غير مرتاحين.
عليك حظر تلك المواضيع من المناهج! ثم هناك تدريس العلوم. تقوم معظم المدارس الثانوية بتدريس نظرية التطور، لكنّ السياسيين «الجمهوريين» البارزين إما مراوغون أو ينكرون بنشاط الإجماع العلمي، مما يعكس على الأرجح عدم ارتياح قاعدة الحزب «الجمهوري» لهذا المفهوم.
بمجرد أن يترسخ المعيار المتبع في فلوريدا، إلى متى سيستمر تدريس نظرية التطور؟ وبالمناسبة، تواجه مادة الجيولوجيا نفس المشكلة. لقد قمت بجولات في الطبيعة حيث يرفض المرشدون التحدث عن أصول التكوينات الصخرية، قائلين إنهم واجهوا مشاكل مع بعض الضيوف المتدينين.
وبالنظر إلى الأهمية المتزايدة للموقف المناهض للتلقيح كعلامة على الولاء للمذهب المحافظ، كم يلزم من الوقت قبل أن يحصل علم الأوبئة الأساسي – ربما حتى نظرية المرض – على المعاملة التي حصلت عليها نظرية العرق النقدية؟
ثم هناك علم الاقتصاد، والذي يتم تدريسه هذه الأيام على نطاق واسع على مستوى المدرسة الثانوية. نظراً للتاريخ الطويل للمحاولات ذات الدوافع السياسية لمنع تدريس الاقتصاد الكينزي، ما الذي تعتقد أن يفعله المعيار المتبع في فلوريدا للتدريس في المجال الذي أتخصص فيه؟
النقطة المهمة هي أن حملة التشهير ضد نظرية العرق النقدية هي بالتأكيد بداية لمحاولة إخضاع التعليم بشكل عام للحكم من قبل مراقبة الفكر اليميني، الأمر الذي ستكون له آثار وخيمة تتجاوز بكثير موضوع العنصرية على وجه التحديد.
في الشهر الماضي، اقترح رون ديسانتيس، حاكم فلوريدا، «قانون إيقاف التنبيه» الذي من شأنه تمكين الآباء من مقاضاة المناطق التعليمية التي يزعمون أنها تعلم نظرية العرق النقدية – وتحصيل أتعاب المحامي، وهو ترتيب على غرار المكافآت بموجب قانون تكساس الجديد لمكافحة الإجهاض.
حتى احتمال وجود مثل هذه الدعاوى القضائية سيكون له تأثير مخيف على التدريس. كما يريد ديسانتيس أيضاً إنشاء قوة شرطة خاصة للتحقيق في تزوير الانتخابات؟ كما هو الحال في الهجمات على نظرية العرق النقدية، من الواضح أن هذه محاولة لاستخدام قضية مختلقة – تزوير الناخبين غير موجود إلى حد كبير – ذريعة للترهيب.
إنني على يقين من أن بعض الناس سيقولون إنني أضخّم هذه القضايا. لكن اسأل نفسك: هل كان هناك أي وقت خلال السنوات الخمس الماضية، على سبيل المثال، حيث ثبت أن التحذيرات بشأن التطرف اليميني مبالغ فيها، وكان أولئك الذين يرفضون تلك التحذيرات باعتبارها «مثيرة للقلق» على حق؟
* د. بول كروغمان أكاديمي أميركي حائز جائزة نوبل في الاقتصاد.
المصدر| نيويورك تايمز
موضوعات تهمك: