تواصل سلطة التنسيق الامني الاجتماعات مع القيادة الاسرائيلية والتنسيق الامني وقمع الحريات.
إذا كان الاتفاق بين “الفدائي والمخبر” أمرا مستحيلا فان تجاوز مكانة المخبر امر اقل صعوبة، لكن هذه هي طريق الثورات التحررية.
مخاطر بقاء القيادة الحالية عشرات أضعاف مخاطر تجاوزها فرئيس وزراء إسرائيل يقول بوضوح لا دولة فلسطينية طالما هو في السلطة ولم يتبن نتنياهو خيارا آخر.
تغض السلطة الفلسطينية الطرف عن الاستيطان المتوسع كل دقيقة وتهويد القدس وتدمير منازل سكانها ولم تقم هذه السلطة باجراء واحد سوى ما كان ضد غزة او ضد المناضلين.
اعلنوا لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير، وحركوا مظاهرات التأييد لها في كل مكان، وستجدون من يناصركم ، نعم هو قرار مر، لكن متى كانت خيارات الثورات الصادقة غير ذلك؟
* * *
تتوافد التنظيمات الفلسطينية المختلفة الى العاصمة الجزائرية ذهابا وايابا بحثا في “تحقيق وحدة وطنية مأمولة”، واعتقد –من معرفة دقيقة- بأن اختيار الجزائر كمكان للحوار الفلسطيني هو اختيار موفق لان الجزائر لا تتدخل في الشأن الفلسطيني خلافا لاية دولة عربية اخرى، بل حين تقدم المساعدة فانها لا تتغنى بذلك على طريقة بقية الدول العربية.
لكن المشكلة الكبرى في لقاءات الجزائر هي في ” العمى السياسي” الذي اصاب القيادات الفلسطينية ، فالوصول لتوافق على برنامج وطني بين سلطة التنسيق الامني وبين التنظيمات الفلسطينية الأخرى بخاصة الكبرى ( حماس والجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية بجناحيها القيادة العامة والجبهة الشعبية الام) هو سعي للمستحيل وكخض الماء وحرث البحر.
لأن استراتيجية الطرفين لا تتضمن أي نقطة لقاء لا في الهدف النهائي ولا في آلية تحقيق الهدف ولا في الخلفية الفكرية او العقائدية ولا في المستوى الاخلاقي للقيادات فسلطة التنسيق الامني تريد الاعتراف باسرائيل وقبول كل القرارات الدولية ونزع سلاح المقاومة ومنع اي مقاومة بالتعاون مع جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية دون ان تقدم لنا اي انجاز ولو شكلي منذ أوسلو.
فالمقاومة حررت قطاع غزة رغم اي ثغرات في هذا الانجاز، فماذا حررت سلطة التنسيق التي تم اختيار قادتها بالاسم من قبل اجتماع بين شارون والرئيس الامريكي بوش وتم في نفس الاجتماع تحديد هدف التخلص من عرفات وتحديد خطة عمل هذه القيادة المقترحة بدلا من عرفات (مذكرات كونداليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة وقبلها كانت مستشارة الامن القومي الامريكي)، انظر التفاصيل في كتابها:
No Higher Honor: A Memoir of my years in Washington.2012.pp.77-386
إن الاقرار بشرعية هذه السلطة التي اقترح اشخاصها بوش وشارون، يعني التغطية على التحقيقات بقتل عرفات والقبول الضمني بقرارات بوش – شارون.
المطلوب
ادعو التنظيمات الفلسطينية المقاومة الى انشاء قيادة تتجاوز قيادة سلطة التنسيق الامني، والسعي الى جلب التأييد الدبلوماسي الدولي للقيادة الجديدة، ويتم ذلك من خلال:
أ- الاعلان عن لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية تتمثل فيها كل تنظيمات المقاومة وتتبنى اعادة التمسك بالميثاق الوطني الفلسطيني بنسخته الاولى، ويتم اختيار رئيسا لهذه اللجنة من قبل اعضاء هذه اللجنة التنفيذية في البداية .
ب- تصعيد عمليات المقاومة في داخل الضفة الغربية ومناطق 1948 بكافة اشكالها ومهما كانت مستويات هذه المقاومة في بداياتها، لان هذه هي الطريق للقبول بشرعية القيادة الجديدة.
ت- التواصل مع قيادات فتح التي توافق على العودة للميثاق والقبول بعضوية اللجنة التنفيذية الجديدة.
ث- ارسال وفود الى كل الدول بخاصة ذات الوزن الدولي والاقليمي للحصول على تاييد نسبي في البداية للقيادة الجديدة.
وقد يرى البعض ان ذلك يشق الصف الفلسطيني، ويعزز احتمالات الحرب الاهلية الفلسطينية، ولكني أتحدى ان تعطوني ظاهرة استعمار استيطاني معاصر او ثورة لم تعرف في مسارها التاريخي هذه الازدواجية.
فهل وصل عرفات للسلطة بدلا من الشقيري بالانتخاب؟ ألم يكن في فييتنام الجنوبية قيادتان احدهما تتبع فيت كونغ والاخرى للإدارة الامريكية؟ ألم تحسم جبهة التحرير الجزائرية امرها في هذا الاتجاه من البداية؟
ألم تعرف الثورة الصينية في نهاية الاربعينات صراعا مريرا بين تشاي كان تشيك وماوتسي تونغ، والصراع في القيادة الزيمبابوية، بل وفي اليمن خلال الاستعمار البريطاني….الخ بل وصراع ستالين مع تروتسكي ..إلخ!
اخيرا يبقى سؤال: من وكيف قتلوا عرفات ووعدونا باعلان نتائج التحقيق في الجريمة ثم الاتكاء على ذاكرة المجتمع المتناسية للجريمة رغم مرورثمانية عشر سنة على تسميمه وموته.
مرة اخرى ، اذا كان الاتفاق بين “الفدائي والمخبر” امرا مستحيلا ، فان تجاوز مكانة المخبر امر اقل صعوبة، لكن هذه هي طريق الثورات التحررية، فالسلطة القائمة هي جزء من ادارة تم تعيينها وتحديد وظيفتها وأدوارها، وهي تتصرف وفي قناعتها ان ردود الفعل على ما تفعله او تقوله لن يتجاوز الصراخ .
ان “تجاوز القيادة الحالية” ينطوي على مخاطر تحتاج لدراسة وتأمل، لكن بقاء القيادة الحالية فيها من المخاطر عشرات اضعاف التجاوز لها، فها هو رئيس وزراء اسرائيل يقول بوضوح لا دولة فلسطينية طالما انا في السلطة (وهذا رهان سلطة بوش-شارون)، ونيتنياهو لم يتبن اي خيار غير هذا.
ومع ذلك تواصل سلطة التنسيق الامني الاجتماعات مع القيادة الاسرائيلية واستمرار التنسيق الامني وقمع الحريات وغض الطرف عن الاستيطان الذي يتوسع كل دقيقة، وعن تهويد القدس وتدمير منازل سكانها، ولم تقم هذه السلطة ولو باجراء واحد سوى ما كان ضد غزة او ضد المناضلين..
اعلنوا لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير، وحركوا مظاهرات التأييد لها في كل مكان، وستجدوا من يناصركم ، نعم هو قرار مر، ولكن متى كانت خيارات الثورات الصادقة غير ذلك؟ ربما.
* د. وليد عبد الحي استاذ علوم سياسية، باحث في المستقبليات والاستشراف.
موضوعات تهمك: