المحتويات
الجيش الأوروبي الموحد.. خطة فرنسا للإطاحة بهيمنة أمريكا
“لن تحترمنا الولايات المتحده الأمريكية كحلفاء إلّا اذا كانت شؤوننا الدفاعيه ذات سيادة .. على أوروبا بناء استقلالها كما تفعل الصين”.
بهذه الكلمات الغاضبة أخرج الرئيس الفرنسي – ايمانويل ماكرون – عام 2018 دعوته لتأسيس “جيش أوروبي موحد” من السر إلى العلن, بعيداً عن حلف شمال الأطلسي (الناتو), ومستقلاً عن أي نفوذ أمريكي, واليوم مع ترأس فرنسا الاتحاد الأوروبي يبدو أن ماكرون بدأ بوضع اللبنة الأولى في الجيش الأوروبي ودقّ المسمار الأول بنعش جيوش أوروبا بحلف شمال الأطلسي (الناتو) وهو الحلف الذي وصفه ماكرون سابقاً بـ”الميّت سريرياً”, فجنّ جنون واشنطن التي كان يترأسها – دونالد ترامب – حتى أن ترامب وصف تصريحات ماكرون ب”المقرفه”.
وبعد وصول – جو بايدن – إلى البيت الأبيض فإن غضب واشنطن لا يزال مستمراً وإن كان التنفيس عنه مختلفاً, خاصةً وإن ماكرون عاد ليحيي دعوته اليوم لتأسيس الجيش الاوروبي الموحد, بالتزامن مع فتح قنوات التفاوض مع روسيا حول أوكرانيا بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية ونكايةً بها, حتى لا يكون الأمر تحت وصايتها, وذلك عير محادثات تحمل وجهة النظر الأوروبية للحل مع موسكو, بعيداً عن وعيد تصعيد وعقوبات وحروب وفق نهج واشنطن, التي ترى بتحرك ماكرون الضربة الأولى لشقّ حلف شمال الأطلسي (الناتو) واستعجالاً واضحاً جداً لإحياء الجيش الأوروبي الموحد وجعله حقيقةً واقعة, رغم أن الهدف المعلن من إنشاء الجيش الأوروبي هو مواجهة أي خطر روسي أو صيني محتمل ضد أوروبا, ولكن واشنطن ترى أن الهدف الرئيسي من إنشاء الجيش الأوروبي هو مواجهتها والتخلص من نفوذها وهيمنتها.
الجيش الأوروبي لحماية أوروبا وخدمة مصالحها
في عام 1950 ظهرت فكره انشاء جيش أوروبي موحد لأول مرة ويبدو أنه على سبيل المصادفة أن فرنسا كانت وراء هذه الفكرة إذ كان الاقتراح حينها يتضمن تشكيل الجيش الاوروبي من فرنسا وبلجيكا وايطاليا ولوكسمبورغ وهولندا وألمانيا الغربية, بهدف تعزيز الدفاع ضد التهديد السوفيتي آنذاك إلّا أن أمريكا أفشلت هذا المسعى بحجه عدم الحاجه للجيش الأوروبي بوجود حلف شمال الأطلسي (الناتو), وفي عام 1999 عاد زعماء أوروبا ليبحثوا فكره تأسيس قوه عسكريه للقارة إلّا أن هذا المسعى أحبط من قبل الولايات المتحدة مجدداً, قبل أن يحمل عام 2007 معه دول أوروبا لإنشاء أول نظام مجموعات قتالية مسلحه أوروبية على أن تتشكل أول مجموعة من 1500 عسكري بغرض الاستجابة الأوروبية للأزمات الدولية, لكن لم يتم تفعيل القوه العسكرية الأوروبية منذ ذلك الحين, رغم أن عام 2019 شهد قيام ألمانيا وهولندا بتنشيط كتيبه دبابات “414” وهي الأولى التي تضم جنود دولتين من دول الاتحاد الاوروبي, وتم إنشاء هذه الكتيبة لعدم تواجد العدد الكافي من الجنود عند ألمانيا, بينما كانت هولندا تعاني ضعفاً بعدم وجود قدرة دبابات لديها, وهذا ما تم النظر إليه كخطوه نحو جيش أوروبي موحد, بينما لم يتم التعامل مع اللواء الفرنسي الألماني في الألزاز بالطريقة ذاتها كونه كان أقل نجاحاً بسبب الاختلافات اللغوية والثقافيه الكبيرة بين الألمان والفرنسيين.
ماكرون يحيي فكرة الجيش الأوروبي
اليوم يعود زعماء الاتحاد الأوروبي بقياده الرئيس الفرنسي – إيمانويل ماكرون – لدراسه تأسيس قاعده أساسية للقوة الأوروبية يطلق عليها اسم “قوه الدخول الأول” بحسب خطة ماكرون في خطوة أولى نحو تشكيل جيش أوروبي ليكون بديلاً عن حلف شمال الأطلسي (الناتو), على أن يشكل 5000 جندي النواة الأولى لهذه القوه العسكرية, مدعومةً بسفن عسكرية وطائرات حربية ودبابات مدرعة و أسلحة صاروخية ورغم أن فرنسا مازالت عرّابة تشكيل الجيش الأوروبي إلّا أن ثلاثة عشر دولة أوروبية أخرى وافقت بالفعل قبل عامين على هذا المقترح, وهي ألمانيا واليونان وقبرص والنمسا وبلجيكا والتشيك وإيرلندا وإيطاليا وهولندا والبرتغال وإسبانيا وسلوفينيا, حيث وضع الإتحاد الأوروبي منذ عام 2020 في ميزانيّته بنداً للتمويل المشترك لتطوير الأسلحة بين أعضائه ما شكّل الخطوه الدافعة لصياغة اتفاق عسكريّ أوروبي بحلول عام 2022, ينقل الإتحاد الأوروبي من مجرد قوة اقتصادية كبيره إلى حلف قادر على القيام بمهام عسكرية تحت مظلّة أوروبا حول العالم خاصةً بعد أن أدت رئاسة ترامب للولايات المتحدة إلى زعزعة ثقة الأوروبيين بمدى التزام الولايات المتحدة باتفاقياتها العسكرية والتجارية معهم, وهو الأمر الذي لم يفلح بايدن بإصلاحه اليوم.
المسمار الأول بنعش الناتو
في وقت تهدد فيه واشنطن موسكو وتلوح بالحروب والعقوبات لإثناء روسيا عن غزو أوكرانيا, بدأ ماكرون تطبيق الشق السياسي من مخططه لتأسيس الجيش الأوروبي عبر فتح حوار أوروبي مع روسيا بشكل مباشر بعيداً عن الولايات المتحدة, وربما ليس بهدف إيجاد حل للأزمة الأوكرانية بقدر ما هو خطوة نحو شق صف الناتو وإضعاف موقف واشنطن في الأزمة, ولا أدل من كلام الرئيس الفرنسي ذاته على هذا المخطط عندما قال “إن على الإتحاد الأوروبي أن يبدأ محادثاته الخاصه مع روسيا بدلاً من الاعتماد على واشنطن لتجنب أكثر الأمور مأساويةً على الاطلاق وهي الحرب” هذا التصريح لماكرون بدا وكأنه رداً على تهميش الاتحاد الأوروبي خلال مباحثات الولايات المتحده الأمريكية وحلف شمال الاطلسي مع روسيا حيال أوكرانيا, إذ أن بايدن يعلم علم اليقين أن فرنسا وألمانيا هما من تحفظتا دوماً على ضم أوكرانيا وجورجيا للناتو منذ عام 2008, وإن ماكرون الذي يمثل مصالح أوروبا اليوم يخشى قدرة روسيا على إغلاق الغاز والنفط عن أوروبا بذروة الشتاء, كما أن فرنسا وألمانيا لديهما أسباب كثيره لكي لا ترحبان بأي حرب مع روسيا, فباريس لا تشعر بخطر كبير من روسيا لأسباب جغرافية على رأسها أن فرنسا في غرب أوروبا وتفصلها آلاف الأميال وعشرات الدول عن روسيا, أما جيوسياسيا, لأن مجال فرنسا الحيوي غرب أوروبا, إضافةً إلى البحر وإفريقيا والعالم العربي, أما أوروبا الشرقية لم تكن يوماً من مناطق نفوذ فرنسا التي تريد النأي بنفسها عن أي عمل عسكري للناتو أو الولايات المتحدة, من خلال جمع قوى أوروبا العسكرية في جيش أوروبي سينأى بنفسه عن أي حرب أمريكية روسية مقبلة من أجل أوكرانيا أو غيرها, كما أن النار تحت الرماد بين فرنسا وتركيا تجعل باريس مستعدةً من أي وقت مضى لهجر الناتو وتأسيس جيش أوروبا.
أما ألمانيا التي تعد أقرب للخطر الروسي من فرنسا, فهي دولةٌ غير مسلحة نووياً ولا تقليدياً, ما لن يسمح لها أن تمثل قوة توازن مع روسيا, كما أن جزءً كبيراً من رخاء ألمانيا الحالي ناتجٌ عن إمدادات الطاقه الروسيه, ما يجعل قرار برلين بخوض أي حرب مع الناتو وأمريكا ضد روسيا مستبعداً, وبالتالي لا يبقى إلّا الجيش الأوروبي مظلةً عسكريةً يمكن لألمانيا اللجوء إليها, ولكن تبقى التساؤلات بشان الجيش الأوروبي, من سيتخذ القرارات فيه ؟
وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي الحجر الأساس بحلف شمال الأطلسي, فهل ستستطيع فرنسا أن تلعب الدور نفسه بالجيش الأوروبي الموحد ؟.
موضوعات قد تهمك: