دخول ألوية العمالقة المدعومة إماراتيا لساحات القتال في شبوة وقبله توغل الحوثيين عميقاً نحو مناطق جنوبية، بمثابة خرق لتفاهمات ضمنية.
الخاسر الأكبر ودافع الأثمان الأفدح المواطن اليمني الذي تطحنه آلات الحرب والجوع والأوبئة والتشرد ولا تدرج الأطراف عذاباته ضمن حساباتها.
تصعيد حرب المسيّرات سيؤذي أبوظبي وصورة الاستقرار والأمن والاستثمار والسياحة لكنه خيار لا بد أنه في حسبان قيادة الإمارات منذ البدء وبامتداد 7 سنوات من تورطها بحرب اليمن.
* * *
مثلما كان منتظراً صعّد التحالف السعودي ـ الإماراتي من الهجمات الجوية على أهداف مختلفة في اليمن، لم تقتصر على أهداف عسكرية مباشرة تابعة لجماعة الحوثي في مديريات عسيلان وبيحان وعين، بل شملت قصف مناطق في العاصمة صنعاء وقطع خدمات الإنترنت.
وجاء هذا التصعيد رداً على الاستهداف الحوثي لخزانات شركة النفط الإماراتية أدنوك بصواريخ ومسيّرات الأسبوع الماضي، الأمر الذي انعكس أيضاً على جبهات القتال ضمن مساعي انتزاع منطقة مأرب الغنية بالنفط من أيدي الحوثيين، والبناء على النجاحات التي حققتها ألوية العمالقة المدعومة إماراتياً بمحافظة شبوة.
وليس واضحاً حتى الساعة ما إذا كانت جماعة الحوثي ستلجأ إلى تهدئة وإن مؤقتة أو مرحلية في هذه الجبهة الجديدة مع الإمارات، ما دام المنطق يشير إلى أن أبرز أسباب فتحها على هذا النحو التصعيدي الخطير هو إلزام الإمارات بالعودة إلى ما تمّ التوافق عليه ضمنياً بين الجماعة وأبوظبي وأسفر عن إعادة انتشار للوجود العسكري الإماراتي في اليمن، أو حتى تنفيذ انسحابات ملموسة، سنة 2019.
وفي إطار كهذا كان دخول ألوية العمالقة إلى ساحات القتال في شبوة، وقبله توغل الحوثيين عميقاً نحو مناطق جنوبية، بمثابة خرق للتفاهمات الضمنية.
الوضع عالق إذن عند استعصاءات عسكرية ميدانية في المقام الأول، حيث باتت الكفة تميل لصالح التحالف والعمالقة وبعض الوحدات الحكومية، وتستدعي بالتالي لجوء الحوثيين إلى أهم أسلحة الضغط المتوفرة لديهم خارج ساحات القتال الفعلية، أي قصف أهداف حيوية في العمق الإماراتي.
لكنه عالق أيضاً وقبلئذ عند استعصاءات سياسية محلية يمنية أولاً، تتصل بامتناع التسويات وضغوطات الأوضاع الإنسانية الكارثية والمشكلات المتفاقمة التي تواجه الحوثيين في إدارة مناطقهم وتعثّر تنفيذ اتفاق الرياض.
كما تتصل مباشرة بسلسلة معادلات إقليمية معقدة يأتي في طليعتها ارتباط المشروع الحوثي بسلّة النفوذ الإيراني في المنطقة، وتفاعلاته في مفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات الأمريكية التي تثقل كاهل طهران.
مرجح في سياقات المنطق العام هذا أن تسعى أبوظبي لاستثمار أقصى للضربات الجوية الحوثية الأخيرة، على صعيد أول هو الضغط على الولايات المتحدة لتزويد الإمارات بمزيد من الأسلحة المتطورة تحت راية الدفاع عن النفس.
الأمر الذي قد يضطرّ البيت الأبيض إلى التراجع في كثير أو قليل عن السياسة التي انتهجها الرئيس الأمريكي جو بايدن بصدد اليمن وأعلن عنها مطلع العام المنصرم، وتلك مراجعة يمكن أن تفضي لإعادة وضع جماعة الحوثي على لوائح الإرهاب مجدداً.
صحيح أن الذهاب أبعد في حرب المسيّرات سيؤذي أبوظبي على مستويات صورة الاستقرار والأمن والتجارة والاستثمار والسياحة، لكنه في الآن ذاته خيار توجّب أن يكون في حسبان القيادة السياسية الإماراتية منذ البدء وعلى امتداد سبع سنوات من تورطها في حرب اليمن.
الخاسر الأكبر ودافع الأثمان الأفدح يظل المواطن اليمني الذي تطحنه آلات الحرب والجوع والأوبئة والتشرد، والذي لا يلوح أن الأطراف تدرج عذاباته ضمن حسابات أرباحها وخسائرها.
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك: