البنوك اللبنانية هرّبت نحو 6 مليارات دولار منذ أكتوبر 2019، رغم حظر التحويلات إلى الخارج مع دخول البلاد في أزمة مالية.
سلامة هو الصندوق الأسود للبنان الذي لو تمت محاكمته فربما سيكشف كلّ جرائم الفساد المالي للرؤوس الكبيرة الذين نهبوا مليارات الدولارات.
سياسات حاكم مصرف لبنان كان من أبرز نتائجها تهاوي الليرة ودخول الاقتصاد في نفق مظلم، وتهريب مليارات الدولارات للخارج عبر البنوك.
* * *
بقلم: مصطفى عبدالسلام
ارتكب رياض سلامة، حاكم “محافظ” مصرف لبنان المركزي، من الأخطاء الكارثية ما يستوجب، ليس عزله من منصبه ومنعه من السفر، بل ومحاكمته بتهم كثيرة، منها الفساد المالي، والسطو على أموال المودعين، وغسل وتبييض الأموال، وإغراق لبنان في تلال من الديون الخارجية عجزت البلاد عن سدادها، وهو ما جعلها في عداد الدول المفلسة والمتعثرة.
كما ارتكب سلامة جرائم أخرى، منها التستر على تحويلات غير مشروعة تمت للخارج لصالح مسؤولين نافذين في البلاد، عقب اندلاع ثورة شعبية على النظام الحاكم في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
فقد نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” عن آلان بيفاني، الذي استقال من منصب المدير العام لوزارة المالية اللبنانية في منتصف العام 2020، قوله إنّ البنوك اللبنانية هرّبت ما يقرب من ستة مليارات دولار منذ أكتوبر 2019، رغم حجب التحويلات إلى الخارج مع دخول البلاد في أزمة مالية، وإنّ هذه الأموال جرى تهريبها خارج البلاد من قبل مصرفيين لا يسمحون للمودع بسحب 100 دولار من أمواله.
هذا الكلام الخطير يردده أيضاً ومنذ سنوات الرأي العام اللبناني، الذي يؤكد أنّ رياض سلامة نقل بشكل سري مبالغ مالية طائلة إلى الخارج بالتزامن مع الحراك الشعبي، رغم القيود الصارمة التي كانت تفرضها المصارف على سحب الأموال حتى وإن كانت بسيطة، وذلك على غرار ما فعله مسؤولون كبار آخرون في البلاد.
الأخطر من ذلك هو أنّ سياسات حاكم مصرف لبنان النقدية التي طبّقها على مدى ما يقرب من 30 سنة، كان من أبرز نتائجها تهاوي الليرة اللبنانية وتجاوز سعر الدولار 30 ألف ليرة، مقابل 1500 ليرة في 23 أغسطس/آب 2019، ودخول الاقتصاد اللبناني في نفق مظلم، وتهريب مليارات الدولارات للخارج عبر القطاع المصرفي، واتساع دائرة الفقر والبطالة وغلاء الأسعار.
لا يتوقف الأمر عند ذلك، فمع اندلاع تظاهرات 2019 وإعلان إفلاس لبنان والسطو على أموال المودعين، بات سلامة في طليعة الشخصيات المرفوضة من رجل الشارع رغم دفاع كبار المسؤولين عنه. بل ويعتبرون أن من أبرز إنجازاته هو الاستقرار الوهمي لليرة طول سنوات طويلة.
بل إنّ رئيس “التيار الوطني الحر”، جبران باسيل، قال قبل أيام إنّ تطيير حاكم مصرف لبنان أمر مهم، وإنّ سياسة سلامة المالية قائمة على قاعدة حماية نفسه من كلّ ارتكاباته على المستوى الشخصي والعام، وبالتالي برنامجه مرتبط بأجندة خارجية ويتناقض مع أيّ خطة تهدف إلى إعادة أموال المودعين.
لا أعرف سرّ تمسّك الطبقة الحاكمة والنظام اللبناني برياض سلامة القابع في منصبه منذ عام 1993، وبذلك يعد أقدم محافظ بنك مركزي، ليس فقط على المستوى العربي، بل ربما على مستوى العالم.
فالرجل تلاحقه تهم جسيمة أمام المحاكم اللبنانية والدولية. وقبل أيام أصدرت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون، مذكرة منع سفر بحق رياض سلامة، بناءً على شكوى تقدّمت بها مجموعة “الشعب يريد إسقاط النظام”، اتهمت فيها محافظ مصرف لبنان بالإثراء غير المشروع واختلاس أموال عامة ومخالفة قانون النقد والتسليف.
كما أصدرت القاضية غادة عون، قراراً اليوم الثلاثاء بوضع إشارة منع تصرف على كافة العقارات والسيارات العائدة لحاكم مصرف لبنان المركزي، وإبلاغ أمانة السجل العقاري ومصلحة تسجيل الآليات والمركبات لتنفيذ القرار فوراً، وفقاً لمنطوقه.
وتتجه النيابة العامة التمييزية إلى الادعاء على 7 مصارف كبرى في لبنان، واتهامها بعرقلة التحقيقات التي تجريها في ملف حاكم مصرف لبنان، على خلفية شبهات حوله ومقربين منه باختلاس الأموال العامة والإثراء غير المشروع وغسل الأموال.
وفي منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت السلطات القضائية في لوكسمبورغ، فتح قضية جنائية تتعلق بحاكم مصرف لبنان وأصوله المالية. كما تجري النيابة الوطنية المالية في فرنسا تحقيقاً مماثلاً، وهو مستهدف أيضاً بتحقيقات في سويسرا والمملكة المتحدة.
ببساطة، رياض سلامة هو الصندوق الأسود للبنان الذي لو تمت محاكمته فربما سيكشف كلّ أشكال وجرائم الفساد المالي للرؤوس الكبيرة والطبقة الحاكمة والسياسيين في البلاد والذين نهبوا مليارات الدولارات من أموال الشعب، وفي مقدمتهم مسؤولون حاليون كبار.
وبالتالي فإنّ كلّ هؤلاء حريصون عليه، بل يقاتلون ليظلّ سلامة في منصبه المصرفي الرفيع، رغم المخاطر الشديدة التي تحيط بالقطاع المصرفي والاقتصاد اللبناني، بل وبسمعة لبنان الخارجية.
قلت في مقال سابق إنّ على رياض سلامة أن يستقيل من منصبه، إن كان يريد المحافظة على ما تبقّى من مصداقية وثقة في القطاع المصرفي اللبناني الذي يتعرض لمحنة شديدة تكاد أن تطيح ببعض وحداته وتحولها إلى كيانات متعثرة ومفلسة، وتهدد بشكل مباشر أموال المودعين.
* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: