ثبوت قتل خاشقجي سيجعل ابن سلمان “مارقا” مقال في افتتاحية مجلة الإيكونوميست التي خصصتها من اجل قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي..
وتنقل الافتتاحية، عن المسؤولين الأتراك، قولهم إن خاشقجي قتل على يد فريق من القتلة السعوديين، الذين قاموا بتقطيع جثته بناء على أوامر من الديوان الملكي، لافتة إلى أن السعوديين كرروا القول إن خاشقجي غادر القنصلية بناء على إرادته.
وتعلق المجلة قائلة: “لو كان الأمر كذلك فأين الشهود والسجلات المكتوبة؟ ولماذا لا توجد لقطات كاميرا سجلت خروجه؟ ولماذا وصل فريق سعودي من 15 شخصا قبل اختفائه وغادروا بعد ذلك مباشرة؟ يجب على السعوديين تقديم أجوبة وإلا فعليهم افتراض الأسوأ”.
وتقول الافتتاحية: “لو ظهر أن خاشقجي قتل، سواء قصدا أو أثناء محاولة اختطاف فاشلة، فإن هذا سيزيد من تقوية الإحساس أن ولي العهد والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، أصبح شخصا مارقا لا مصلحا، فقد اعتقل آلاف الناشطين، واحتجز رئيس وزراء لبنان سعد الحريري لمدة أسبوعين في تشرين الثاني/ نوفمبر، ووصلت يداه الطويلتان إلى الخارج، ففي آذار/ مارس احتحزت ناشطة نسوية معروفة، وهي لجين الهذلول، في أبو ظبي، ونقلت بسرعة إلى السعودية ومن ثم إلى السجن، وفي أيلول/ سبتمبر، تعرض ناشط سعودي ساخر يقيم في لندن إلى عملية ضرب من أحمقين أرسلا من السعودية لضربه.
وترى المجلة أن “اغتيال ناقد على أرض أجنبية يعد تصعيدا في هذه الموجة الجديدة، فعلى خلاف حكام السعودية في الماضي ممن سمحوا بمساحة من النقاش، وحاولوا التوسط بين المصالح المتنافسة، فإن الأمير محمد يحكم وكأنه الوحيد الذي يملك الأجوبة، فطريقته الفظة في التعامل مع النقد، حتى اللين منه، تغطي على سياساته التي يعجب الناس بها، التي تضم الحد من سلطة الشرطة الدينية، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، وتشجيعها على المشاركة في العمل، كما أن نظامه أصبح يشبه ديكتاتورية عربية قومية ليبرالية من الناحية الاجتماعية، لكنها مركزية يسكنها الرهاب وبنيت على الخوف، فإن وعوده بسعودية جديدة متسامحة تتلاشى”.
وتجد الافتتاحية أن “ميول الأمير محمد الاستبدادية ستترك آثارا اقتصادية، فهو يهدف وبطموح لفطم المملكة عن النفط، لكن المستثمرين يشعرون بالحذر بسبب الطريقة المتقلبة التي يتخذ فيها القرارات، ففي العام الماضي احتجز وصادر أرصدة مئات من رجال الأعمال والمسؤولين والأمراء في حملة أطلق عليها (مكافحة الفساد)، كان ينقصها أي مظهر من مظاهر الإجراءات القانونية، بالإضافة إلى أن خططه لتشجيع القطاع الخاص تستند إلى قرارات من أعلى إلى أسفل، فخطة وضع أسهم من شركة النفط السعودية (أرامكو) في البورصة عانت من تدخلات الأمير، وتم تأجيلها لأجل غير مسمى، والمشاريع الأخرى الفخمة، مثل (نيوم) مدينة المستقبل التي سيحشد فيها الروبوتات، وهو مشروع لم يتم التفكير فيه جيدا. لكن لا أحد من مستشاريه يتجرأ على تحديه”.
اقرأ/ي أيضا: واشنطن تطلب من محمد بن سلمان التنازل عن ولاية العهد؟!
وتختم “إيكونوميست” افتتاحيتها قائلة: “في البلدان، مثل أمريكا، التي عاش فيها خاشقجي، كانت الغريزة هي تقديم السلاح والدعم، وبدلا من ذلك على الحلفاء التأكيد له أن ليس له صك أبيض وأن حكمه سينتفع من انفتاح أكبر، وطالما قال خاشقجي، الذي عمل سابقا في الحكومة، إن نقده للنظام السعودي هو شكل من أشكال النصيحة، ولم يكن ينظر لنفسه على أنه معارض، ولم يحب فكرة تغيير النظام، وقال للمجلة في تموز/ يوليو الماضي إنها (فكرة سخيفة) وعلى النظام السعودي الاستماع للنقاد لا إسكاتهم”.
وقالت المجلة في تقرير أكثر تفصيلا تحت عنوان “قنصلية اللاعودة”، إنه مع مرور كل يوم تتعزز الفكرة بأن حكومة خاشقجي قتلته.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن خاشقجي زار القنصلية يوم 2 تشرين الأول/ أكتوبر، للحصول على أوراق خاصة بطلاقه، وسجلت كاميرا مراقبة لحظة دخوله القنصلية.
وتنقل المجلة عن المسؤولين الأتراك، قولهم إن الصحافي والناقد البارز قتل في داخل المبنى على يد فرقة حضرت خصيصا من السعودية، مشيرة إلى أن هناك من يرى أن محاولة اختطافه فشلت وأدت إلى مقتله، حيث تم نشر جثته بمنشار عظام، وهربت من خلال سيارة دبلوماسية سوداء للخارج.
ويستدرك التقرير بأنه رغم عدم وجود أدلة، إلا أن الأدلة حول عملية سيئة تتزايد، وفي 10 تشرين الأول/ أكتوبر نشرت صحف مؤيدة للحكومة التركية صور الأشخاص الذين قالت إنهم حضروا على طائرتين لتنفيذ المهمة، مشيرا إلى أن هناك صورا تظهر دخولهم إلى القنصلية ثم مغادرتهم في المساء، وتم الكشف عن مهنة أحدهم وهي الطب الشرعي في وزارة الداخلية السعودية.
وتبين المجلة أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يردد هذه الاتهامات، إلا أن تصريحات الشرطة لم تكن لتتم دون مباركته، فيما تنفي السعودية هذه الاتهامات، وتقول إنه غادر القنصلية سالما، لكنها لم تكشف عن دليل يثبت خروجه، وقال القنصل السعودي إن الكاميرات لم تسجل خروجه، ولم يقدم أي أدلة مكتوبة عما عمله في داخل القنصلية”.
ويجد التقرير أن “محاولة السعودية إسكات خاشقجي ليست أمرا غريبا، فقد كتب باللغة العربية وفي صحيفة (واشنطن بوست) ناقدا للأمير ابن سلمان، والحرب في اليمن، التي دعا إلى وقفها، وأقام علاقات مع الدبلوماسيين والصحافيين في واشنطن التي يقيم فيها منذ عام، لكنه لم يكن راديكاليا، وكان مرة جزءا من المؤسسة السعودية، وعمل في العقد الأول من القرن الحالي مستشارا لمدير المخابرات السابق وسفير المملكة في بريطانيا والولايات المتحدة تركي الفيصل، وأكد أن نقده بناء، وتقول محررته في (واشنطن بوست) إنه رفض وصفه بالمعارض”.
وتقول المجلة إن “التغطية لاختفائه جاءت بسبب علاقاته الواسعة، لكن ولي العهد اعتقل أكثر من 100 وزير وأمير ورجل أعمال بذريعة (مكافحة الفساد)، وهناك المئات من الناشطين الذين اعتقلهم العام الماضي، بعضهم يواجه حكم الإعدام، وفي العام الماضي احتجزت السعودية رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لمدة أسبوعين، وحتى لو اختطف خاشقجي من تركيا فإن هذا لن يكون أمرا غير عادي، فقد تم اختطاف الهذلول من أبو ظبي حيث اعتقلت لاحقا، ولم يثر هذا تداعيات، وظل مديرو البنوك والشركات والمعلقون يهللون له ويصفونه بالمصلح”.
ويستدرك التقرير بأن “التصعيد الأخير لو ثبت فإنه سيلاحقه للأبد كونه شخصا لا يرحم، فملاحقة وقتل المعارضين في الخارج هو أسلوب استخدمه في السابق صدام حسين ومعمر القذافي، اللذان استخدما السفارات لقتل المعارضين، وسيكون هذا رسالة قوية للمعارضين، وهي ان النظام يستطيع ملاحقتهم في أي مكان، وكون خاشقجي كان في السابق ابنا للمؤسسة فإن ذلك يزيد من قوة الرسالة”.
اقرأ/ي أيضا: السعودية تهدد إذا فُرضت عقوبات عليها بشأن خاشقجي
وتلفت المجلة إلى أن علاقات تركيا مع السعودية متوترة بسبب ملف قطر والإخوان، حيث أصبحت تركيا ملجأ للهاربين من النظام، خاصة الإخوان المسلمين.
وبحسب التقرير، فإن “أردوغان سجن ولاحق الصحافيين، ويحاول المعتذرون للسعودية استخدام هذا للتقليل من شأن التحقيق التركي في اختفاء خاشقجي، وربما لم يكن ابن سلمان قلق بشأن أردوغان، لكنه سيقلق من ردة فعل المستثمرين، الذين قرر عدد منهم إلغاء مشاركتهم في مبادرة استثمار المستقبل المقررة الأسبوع المقبل في الرياض، وفي أمريكا، حيث عاش خاشقجي، عبر نواب الكونغرس عن غضبهم، وحتى ترامب، القريب من السعوديين والمعادي لتركيا، فإنه عبر عن قلقه من الوضع السيئ”.
وتتساءل المجلة عن الطريقة التي سيرد فيها السعوديون على الحادث، “فابن سلمان لا يزال يتمتع بقاعدة دعم قوية، رغم أن ملامح من أجندته للتغيير لم تنجح، وتعرضت أجندته الاقتصادية للرياح المعاكسة، ومغامراته الخارجية تتراوح من فشل إلى آخر، مثل حصار قطر، والحرب الكارثية في اليمن، أما سياساته الداخلية، مثل الترفيه وقيادة المرأة للسيارة، فحظيت بشعبية في وقت لم يبق في خارج السجون من يوجه له النقد”.
وينوه التقرير إلى أن “الكثير من السعوديين الدعائيين يعملون جهدهم لتضليل الرأي العام السعودي، فقناة (العربية) بثت مقابلة مع نجل خاشقجي، صلاح، التي أشار فيها إلى أن والده لم يخطف، وهذا كلام سخيف، فأصدقاؤه في اسطنبول يعرفون خطيبته، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي يروجون لنظريات غريبة، وهي أن قطر تقف وراء اختفائه، وهذا أمر غريب”.
وتختم “إيكونوميست” تقريرها بالقول إن خاشقجي تحدث متحسرا في حواراته السابقة معها عن “عبادة الشخصية” التي تحيط بولي العهد، ولم يسمح للإعلام بمناقشة قضايا حتى لا يظهر النظام بمظهر الضعف، وحاول تأكيد الحوار في المنفى، و”ربما كان هذا أمرا لم يستطع النظام المستبد تقبله”.
ترجمة: عربي21