وقف مقاتلو فتح الى جانب اخيهم الجندي الاردني في معركة الكرامة مما مهد لفتح لانضمام الالاف لصفوفها.
بدأت فتح الى غير ما انتهت له تماما، بدأت حركة عزيزة ومجاهدة، كانت تخطئ لكنها لم تخن، كانت تفشل لكنها تعاود الكرة بعد الاخرى.
فتح اليوم “عزيز قوم ذل” مشكلته المكابرة إلى حد اعتبار فشله التام وخوائه المادي والمعنوي نصرا يفاخر به مما يستدعي من تنظيمات وقوى وطنية التعامل معه كحالة مَرَضِيّة!
* * *
بقلم: وليد عبدالحي
شكل الفشل المتلاحق لحركة فتح الفلسطينية ضاغطا معنويا وبقسوة على من تبقى من كوادرها للاتكاء على ثقافة احياء الماضي والحنين اليه (النوستالجيا) لتعويض التآكل المتسارع في مكانتها في التاريخ الفلسطيني المعاصر، ولكن فتح ادركت لاحقا أن جدوى هذه الثقافة محدودة للغاية ولا بد من اسنادها بدعائم اخرى، فقد لاحظت الحركة ان شعبيتها اصبحت في نفس مستوى التنظيمات الفلسطينية العابرة، وان التنظيمات التي تشبثت بسلاحها وبالحقوق التاريخية نجحت في توسيع قاعدتها الشعبية على حساب حركة فتح، ومن هنا بدأت الحركة في البحث عن سند لها قبل السقوط النهائي، فكان ان اهتدت الى ان استراتيجية البقاء مرهونة بسلسلة من الالتزامات مع المجتمع الدولي على النحو التالي:
1- الاعتراف باسرائيل والتنازل بشكل صريح عن 78% من فلسطين
2- منع كافة اشكال المقاومة مسلحة وغير مسلحة ضد اسرائيل
3- تشكيل ادارات امنية مهمتها مساندة جيش الاحتلال في اجتثاث خلايا المقاومة تحت مسمى التنسيق الامني، وهي ظاهرة لم تعرفها أي حركة تحرر في التاريخ الانساني كله، كما انها تلقت ثقافة ومفردات في معسكرات دايتون للمخاطبة مع المجتمع(وهو امر مدون في سجلات الكونجرس الامريكي) على غرار ايتام بريمر في العراق…
4- الاصرار على ان علاقتها بأي تنظيم فلسطيني مرهون بتسليم هذا التنظيم لسلاحه والتخلي عن المقاومة والاعتراف باسرائيل تحت شعار ” الشرعية الدولية “، وهي الشرعية التي رفضها اول بيان لحركة فتح عام 1965
5- الضغط المادي على عائلات من ينتمون لتنظيمات المقاومة بخاصة الشهداء والاسرى
6- تعزيز سياسات الربط الصامت للاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي
7- التذويب الهادئ والتدريجي لكل مؤسسات منظمة التحرير وتحويل ما تبقى منها الى ما يشبه تنظيمات المجتمع المدني(جمعية او نقابة او اتحاد..الخ)
8- اعتماد دبلوماسية الاسفنجة لامتصاص كل احتقان ينتج عن سياسات الاستيطان او التنسيق الامني او تهويد القدس او الهجمات على غزة، فقد اعلن رئيس سلطة التنسيق الامني 60 مرة عن وقف التنسيق، او وقف الاتصالات مع ادارة الاحتلال او مع الادارة الامريكية او عن انتخابات رئاسية او عن متابعة محاكمة الاحتلال في المحاكم الدولية او عقد لقاءات مع التنظيمات الفلسطينية او اصدار تصريحات يشرف على صياغاتها اساتذة علم النفس الاسرائيلي ممن درسوا سيكولوجية المجتمع الفلسطيني والعربي او الاعلان بين الحين والآخر عن اهمية القدس.
كل ذلك دون تنفيذ أي وعد او تهديد بل هي اسفنجة للتخدير وامتصاص الاحتقانات، وكلما تصاعدت وتيرة الاحتقان ستسارع سلطة التنسيق الامني الى اصدار تصريحات لا تملك أدنى مقومات تنفيذ أي منها، فهي تصريحات لتؤدي الإسفنجة مهمتها.
9- تغذية الفساد الاداري والرشوة منذ قتل عرفات وتشكيل سلطة تمت صياغة سياساتها وتحديد اشخاصها بالاسم خلال اجتماع عقده شارون وبوش ودونت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونداليزا رايس محاضره في مذكراتها وبتفصيل تام، مع تعزيز سياسات الاسترخاء الاجتماعي والنزعة الاستهلاكية وغض الطرف عن عمليات بيع الاراضي.
لقد شتمت حركة فتح الرئيس عبد الناصر من إذاعتها التي منحها لها في القاهرة لمجرد قبوله بمبادرة روجرز التي دعت لوقف اطلاق النار على قناة السويس، وهي الان تلعن وتطعن كل من لا يوافق لا على وقف اطلاق النار فقط بل على كل من لا يساهم في خنق المقاومة.
لقد بدأت فتح الى غير ما انتهت له تماما، بدأت حركة عزيزة ومجاهدة، كانت تخطئ لكنها لم تخن، كانت تفشل لكنها تعاود الكرة بعد الاخرى، لقد وقف مقاتلوها الى جانب اخيهم الجندي الاردني في معركة الكرامة مما مهد لفتح لانضمام الالاف لصفوفها.
أما اليوم فهي ليست إلا “عزيز قوم ذل”، لكن مشكلته في المكابرة الى الحد الذي وصل الى اعتبار فشلة التام وخوائه المادي والمعنوي نصرا يفاخر به، وهو ما يستدعي من بقية التنظيمات والقوى الوطنية التعامل معه كـ”حالة مَرَضِيّة”!
* د. وليد عبد الحي أستاذ علوم سياسية، باحث في المستقبليات والاستشراف
موضوعات تهمك: