الانتخابات والتحولات الديمقراطية في العالم العربي.. خطوة للأمام أم خطوة للوراء؟
“استعصاء ديمقراطي” عربي يضعنا أسفل قائمة شعوب الأرض من حيث ولوج عتبات الحرية والديمقراطية والرخاء.
حتى الانتخابات التي يحلو للبعض وصفها بـ”أعراس ديمقراطية” تتحول إلى مآتم وتصبح سبباً رئيساً للخراب والفوضى، كان الله في عون شعوبنا.
دول عربية عديدة تُجري انتخابات ولا تغيير جديًّا يذكر فيها على السياسات الداخلية والخارجية، ولا على طبيعة وهوية النخب السياسية الحاكمة.
وفرة من الانتخابات وندرة من التغييرات التي قد تفتح أفقاً لمستقبل أفضل لشعوب العرب وفي عدة بلدان يغدو الاستحقاق الانتخابي تهديد للأمن والسلم الأهليين.
* * *
بقلم: عريب الرنتاوي
في العشرية الأولى للقرن الحادي والعشرين، حصرنا عشرات الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية في أزيد من خمس عشرة دولة عربية..
الخلاصة التي توصل إليها عشرات الباحثين والنشطاء من هذه الدول، حملها عنوان لكتاب تناول الظاهرة: “الانتخابات والتحولات الديمقراطية في العالم العربي.. خطوة للأمام أم خطوة للوراء؟”.
لم تتغير الحال كثيراً في العشرية الثانية، عشرية الربيع العربي بثوراته وانتفاضاته وحروبه، وحروب الآخرين عليه.
يمكن القول إن الانتخابات العامة، رئاسية وبرلمانية، أصبحت جزءاً من مشكلة المجتمعات والدول التي ضربتها موجة الثورات والانتفاضات، بدل أن تكون جزءاً من الحل.
وزاد الأمر تعقيداً أن مقدمات الانتخابات ونتائجها باتت تستبطن خطر امتشاق السلاح والعودة إلى الخنادق والمتاريس المتقابلة.
في ليبيا، تعجز الكيانات والمكونات عن إتمام استحقاق انتخابي، حظي بدعم دولي نادر، وتاق لاكتماله، ملايين الليبيين والليبيات على أمل إخراج بلادهم من مستنقع الفوضى والاحتراب إلى شواطئ الأمن والازدهار..
ولولا قرار ”المفوضية“ سحب صناديق الاقتراع إلى مستودعاتها، لفتحت الميليشيات المتحاربة صناديق الذخيرة على مصاريعها.
في العراق، وبعد عامين من أوسع وأجرأ انتفاضة شعبية – شبابية، في جنوبه ووسطه، ومع مرور قرابة الأشهر الثلاثة على فتح صناديق الاقتراع، ما زال العراقيون يسقطون بين قتيل وجريح في مواجهات صاخبة حول نتائج الانتخابات، ومشوار العراقيين مع ”حكومة ما بعد الانتخابات“ ما زال مديداً ومريراً، والفوضى تعم البلاد، منذرة بأسوأ السيناريوهات.
وفي تونس، يحتدم الجدل حول الانتخابات المقبلة، بعد تعطيل مفاعيل الانتخابات السابقة (2019)، والتونسيون منقسمون حول إجراءات رئيسهم الاستثنائية، فيما الأزمة الاقتصادية تعتصرهم عن بكرة أبيهم..
ولا أحد يدري كيف سيمر العام المقبل على تونس، بانتظار الاستحقاق الانتخابي في نهايته، وما إذا كان التونسيون سيصلون إلى ”الصناديق“ أم أن ”الاستثناء“ التونسي، سيخلي مكانه للقاعدة العربية: الانتخابات جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل.
اليمن لم يصل للانتخابات، طوال العشرية السابقة، ولا أحد يدري ما إذا كان اليمن سيظل وحدة واحدة، أم أنه سيصاب بـ”فيروس التقسيم والتشظي”، وفلسطين مضى على آخر انتخابات برلمانية ورئاسية فيها أزيد من خمسة عشر عاماً، ولا أحد يدري متى ستلتئم، وقد أفضى إلغاء انتخابات أيار البرلمانية وتموز الرئاسية، إلى تعميق الانقسام و”تآكل الشرعيات”.
لبنان يقف على عتبة انتخابات برلمانية، لكن مصائر الاستحقاق ما زالت رهناً بتطورات ربع الساعة الأخير، محلياً وإقليمياً، ولا أحد يدري كيف ستتصرف “أغلبية اليوم” إن صارت “أقلية الغد”.
السودان على موعد مع انتخابات في نهاية المرحلة الانتقالية، لكن ليس لدى أحد يقين بأن هذه المرحلة ستنتهي، أو كيف ستنتهي في ظل الشرخ الآخذ في الاتساع بين مكونيه المدني والعسكري.
دول عديدة أخرى، من بينها الأردن، ومصر، وسوريا، والجزائر، وحتى المغرب وإن بدرجة أقل، تُجري انتخابات، ولا تغيير جديًّا يذكر فيها، لا على السياسات الداخلية والخارجية، ولا على طبيعة وهوية النخب السياسية الحاكمة.
وفرة من الانتخابات وندرة من التغييرات التي يمكن أن تفتح أفقاً لمستقبل أفضل لشعوب هذه المنطقة، بل إننا، وفي عدة بلدان، نرى كيف يتحول الاستحقاق الانتخابي إلى تهديد للأمن والسلم الأهليين.
العرب في “استعصاء ديمقراطي” مُقيم، يضعهم في أسفل قائمة شعوب الأرض من حيث ولوج عتبات الحرية والديمقراطية والرخاء، إذ حتى انتخاباتهم، التي يحلو لهم وصفها بـ”أعراس ديمقراطية”، تتحول إلى مآتم وتصبح سبباً رئيساً للخراب والفوضى، كان الله في عون شعوبنا.
* عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني/فلسطيني
موضوعات تهمك: