ما هي الأسباب المرتبطة بتعقيدات الاتفاق على عملة موحدة في كافة التكتلات الاقتصادية وكيفية تجاوزها؟
يعتبر توحيد العملة من أصعب مراحل الوحدة الاقتصادية ففي الاتحاد الأوروبي صدرت العملة الموحدة «اليورو» بعد سنوات طويلة.
العملة الموحدة الخليجية تتوفر لها عوامل النجاح بفضل تقارب البنية الاقتصادية لدول المجلس وارتباطها جميعاً بالدولار الأميركي عدا الدينار الكويتي.
العملة الموحدة لدى الاتفاق عليها لا بد من ربطها بدايةً بالدولار لاسيما وأن دول المجلس تحتاج لمزيد من الكفاءات والخبرات الخاصة بالسياسات النقدية!
ما تحقق حول إصدار العملة الموحدة متواضع واقتصر على اتفاق حول حركة هامش أسعار صرف العملات الخليجية فيما بينها ومقر البنك المركزي الخليجي.
* * *
بقلم: محمد العسومي
حققت دول مجلس التعاون الخليجي خلال أربعين عاماً الماضية تقدماً مهماً في العديد من ملفات التعاون الاقتصادي، كإلغاء الرسوم على المنتجات الوطنية وتوحيد التعرفة الجمركية وحرية الأعمال للمواطنين والربط الكهربائي وشبكة السكك الحديدية..
لكن ما تحقق حول إصدار العملة الموحدة الخليجية ظل متواضعاً واقتصر على الاتفاق على حركة الهامش لأسعار صرف العملات الخليجية فيما بينها وتأسيس مقر للبنك المركزي الخليجي.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن توحيد العملة يعتبر من أصعب مراحل الوحدة الاقتصادية، ففي الاتحاد الأوروبي صدرت العملة الموحد «اليورو» بعد سنوات طويلة، ومع ذلك فقد صدرت في أقل من أربعين عاماً، إذ يتبادر سؤال هنا يتعلق بالأسباب المرتبطة بتعقيدات الاتفاق على عملة موحدة في كافة التكتلات الاقتصادية وكيفية تجاوزها.
والحقيقة أن أوجه التعاون النقدي تعد من أكثر أوجه التعاون تعقيداً بسبب تشعب السياسات النقدية وتأثيراتها الكبيرة على مجمل الأوضاع الاقتصادية والمالية والاستثمارية، علماً بأنها أكثر تعقيداً في الحالات التي تقل فيها أدوات التعامل المهنية وتكثر التدخلات في القرارات النقدية.
وكأي عملة موحدة، تواجه عملية إصدار العملة الخليجية عقبات عدة، وذلك رغم أنها أكثر عملة تتوفر لها عوامل النجاح بفضل تقارب البنية الاقتصادية لدول المجلس وارتباطها جميعاً بالدولار الأميركي ما عدا الدينار الكويتي.
إلا أن أكبر عقبة تواجه عملية إصدارها تتعلق بإضفاء الطابع الرسمي عليها مع ضعف الجوانب المهنية، فبنك الاتحاد الفيدرالي الأميركي يتمتع باستقلالية كاملة عن الحكومة ولا يحق حتى للرئيس التدخل في قراراته، وكذلك الأمر بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي.
فرغم وجود مقره في فرانكفورت فإنه لم يترأسه ألماني، كما لا يحق لألمانيا، كأكبر اقتصاد في الاتحاد، التدخل في قراراته المهنية التي تناسب أوضاع اقتصاد الاتحاد ككل، كما أن رئيسه ينتخب بعد تفاهمات بين الدول الأعضاء.
وبهذا التوجه المهني فقط وبالعمل ضمن هذه المفاهيم يمكن للعملة الخليجية الموحدة أن ترى النورَ في السنوات القادمة، وذلك بالتدرج، بحيث تقنن في البداية الاستقلالية التامة للبنك المركزي الخليجي بعيداً عن أي تدخلات وأن يتم انتخاب رئيسه ومجلس إدارته بصورة مهنية أيضاً، وأن يُمنح الصلاحيات الكاملة لرسم السياسات النقدية التي تتلاءم والاقتصاد الخليجي.
وبما أنه لا توجد سياسات نقدية بدول المجلس في الوقت الحاضر، وإنما تتبع جميعها السياسات النقدية للدولار بحكم ارتباطها به، فالعملة الموحدة في حالة الاتفاق عليها لا بد من ربطها في البداية بالدولار أيضاً، لاسيما وأن دول المجلس تحتاج إلى مزيد من الكفاءات والخبرات الخاصة بالسياسات النقدية والتي يجب التعامل معها بحذر شديد.
علماً بأن الارتباط بالدولار خلال أربعين عاماً الماضية ساهم في استقرار الأوضاع النقدية لدول المجلس بتأثيرات إيجابية كبيرة، وذلك رغم أنه في بعض الحالات كانت سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي غير مناسبة أبداً للأوضاع الاقتصادية في دول المجلس، بل جاءت على العكس وأضرت بها، على اعتبار أنها سُنّت لتناسب أوضاع الاقتصاد الأميركي، كسياسات أسعار الفائدة على سبيل المثال.
وبعد ربط العملة الموحدة بالدولار لا بد من تحضير الأرضية التشريعية والمهنية والبشرية اللازمة لفك عملة الارتباط وتسخير السياسات النقدية الخليجية لخدمة التوجهات التنموية لدول المجلس، مع ضمان منح البنك المركزي الخليجي استقلالية كاملة للعمل بصورة مهنية بعيداً عن أي تدخلات من أي جهة.
حيث سيمنح ذلك ضمانات لكافة الدول للتأكد من سلامة السياسات النقدية ويمنحها وضعاً متساوياً ومتكافئاً من خلال مشاركتها في الاختيار المهني لإدارة البنك بغض النظر عن الانتماءات المحلية، أي أن سيادة البنك المركزي الخليجي ستكون سيادةً مهنيةً يمكن من خلالها تجاوز بعض العراقيل التي أعاقت بعض أوجه التعاون في السابق، فاعتماد بلدان العالم يتزايد على اعتماد المهنية والتي تشكل أحد أهم أسباب نجاح التوجهات التنموية.
* د. محمد العسومي خبير ومستشار اقتصادي
المصدر| الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك: