نطاق القمع في روسيا في عام 2021 انتقل إلى مستوى جديد، فهناك رغبة في استئصال المعارضة قبل الانتخابات الرئاسية.
دافع بوتين عن سياسات السلطة وملاحقة نافالني ودعا لـ”عدم ارتكاب جرائم جنائية والتستر بنشاط سياسي” ودافع عن قانون “عملاء الخارج” مستشهداً بقانون مماثل بأميركا.
“حملة القمع قبل انتخابات الدوما لها طابع ظرفي لكن هناك أسباباً أعمق مثل الرغبة باستئصال المعارضة قبل انتخابات الرئاسة وتبرير ذلك بعدو خارجي والوحدة الوطنية ضد تهديدات خارجية”.
* * *
تشعر المعارضة الروسية بخيبة أمل، جراء ما شهده عام 2021 من تضييق للخناق على معارضي الكرملين ووسائل الإعلام والمنظمات المستقلة، وسط بقاء المعتقلين السياسيين خلف القضبان، وإقصاء معارضين آخرين إلى المنفى خارج روسيا.
سجن أليكسي نافالني وملاحقة أنصاره
بدأ عام 2021 بعودة المعارض الروسي الأبرز، مؤسس “صندوق مكافحة الفساد”، أليكسي نافالني، إلى روسيا قادماً من ألمانيا بعد تلقيه العلاج من تسمم بغاز أعصاب يشتبه في كونه من مجموعة “نوفيتشوك” سوفييتية المنشأ، ولكنه اعتقل لدى وصوله إلى المطار.
وبعد أيام معدودة، قرر القضاء سجن نافالني لمدة ثلاثة أعوام ونصف العام، بذريعة انتهاك نظام أداء الحكم بالسجن مع وقف التنفيذ في قضية “اختلاس” بشركة “إيف روشيه” الصادر في حقه عام 2014.
وبعد تفريق التظاهرات التي نظمها أنصار نافالني بالقوة، واصلت السلطات الروسية تضييق الخناق على مؤسسة “صندوق مكافحة الفساد” التي تم القضاء عليها بتصنيفها “منظمة متطرفة”، مما اضطر العديد من أنصار المعارض الروسي البارز إلى مغادرة البلاد خوفاً من الملاحقة والسجن.
ومن بين أقرب أنصار نافالني الذين اضطروا إلى مغادرة روسيا، المحامية السابقة في “صندوق مكافحة الفساد”، ليوبوف سوبول، بعد صدور حكم بتقييد حريتها في إطار “القضية الصحية” المتعلقة بـ”مخالفة الأصول الصحية – الوبائية” أثناء الاحتجاجات “غير المصرح بها”، الداعمة لنافالني.
انتهاكات انتخابات الدوما واستبعاد المعارضة الروسية
وفي الصيف الماضي، تخللت انتهاكات عديدة حملة انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي التي أجريت بين 17 و19 سبتمبر/أيلول الماضي، وأسفرت عن حفاظ حزب “روسيا الموحدة” الحاكم على الأغلبية الدستورية، على الرغم من ازدياد عدد الأحزاب الممثلة بالتشكيلة الجديدة للبرلمان.
وتراوحت الانتهاكات بين استبعاد مرشحي المعارضة، والتضييق حتى على الحزب الشيوعي ذي الدرجة العالية من الولاء للسلطة، ووصلت إلى حد بروز اتهامات للسلطة بتغيير نتائج الانتخابات لمصلحة مرشحيها في بعض الدوائر بالعاصمة موسكو، بعد إضافة نتائج التصويت الإلكتروني، وسط تعذّر التأكد من نزاهة عملية فرز الأصوات الإلكترونية.
أما الأشهر الأخيرة من العام الحالي، فشهدت تضييقاً على وسائل الإعلام المستقلة، عن طريق تصنيف العشرات منها كـ”عميلة للخارج”، فضلاً عن ملاحقة منظمة “ميموريال” الدولية المعنية بحفظ ذكرى ضحايا القمع في الاتحاد السوفييتي والمصنفة “عميلة للخارج” أيضاً، وسط سعي الدولة لاحتكار حتى الذاكرة التاريخية للمواطنين.
وتعليقاً على هذا الوضع، اعتبر عضو المجلس الإقليمي لحزب “يابلوكو” (تفاحة) الليبرالي المعارض في موسكو، أليكسي كرابوخين، أن نطاق القمع في روسيا في عام 2021 انتقل إلى مستوى جديد، مرجحاً استمراره في العام المقبل مع استثمار الأزمة الأوكرانية والتوترات الخارجية لتشديد قبضة السلطة داخلياً.
وقال كرابوخين: “مرّ هذا العام تحت عنوان القمع وتشديد قبضة السلطة منذ اعتقال نافالني، وملاحقة المتظاهرين من أنصاره تحت عنوان القضية الصحية. ثم جاءت أقذر انتخابات في التاريخ الروسي المعاصر، إذ أدى اعتماد التصويت الإلكتروني فيها إلى تغيير النتائج”.
ولفت كرابوخين إلى أن “الصحافي السابق بصحيفتي كوميرسانت وفيدوموستي، مستشار مؤسسة الفضاء الروسية (روس كوسموس)، إيفان سافرونوف، لا يزال معتقلاً منذ نحو عام ونصف العام، كما بدأت السلطات بملاحقة محاميه”.
ومنذ اعتقاله واتهامه بالتعاون مع الاستخبارات التشيكية في منتصف عام 2020، استمر القضاء الروسي في تمديد حبس سافرونوف مرة تلو الأخرى، بينما اضطر محاميه، إيفان بافلوف، لمغادرة روسيا بعد التضييق على فريق المحامين “كوماندا 29” المنحل الذي كان يترأسه.
تمهيد لولاية رئاسية خامسة لبوتين
وتوقّع كرابوخين “استمرار حملة القمع بذريعة مواجهة العدو الخارجي في عام 2022″، مضيفاً: “في حال دخلت القوات الروسية إلى منطقة دونباس (بشرق أوكرانيا)، فسيزيد ذلك من متاعب السكان، ولكن التدخل في أوكرانيا قد يحقق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نصراً عسكرياً تمهيداً لإعادة انتخابه للولاية الخامسة في عام 2024، إذ من المرجح أنه سيرشح نفسه من جديد”.
وعلى الرغم من تولي بوتين زمام الرئاسة في روسيا منذ عام 2000، باستثناء فترة قصيرة شغل فيها منصب رئيس الوزراء بين أعوام 2008 و2012، إلا أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي أجري في عام 2020، أسفر عن “تصفير” عدد ولاياته، مما يتيح له الترشح لولايتين إضافيتين بمدة إجمالية 12 عاماً، حتى سنة 2036.
بدوره، أرجع مدير “مجموعة الخبراء السياسيين” (منظمة روسية تضم عدداً من الخبراء والمحللين والمستشارين السياسيين)، قسطنطين كالاتشوف، هو الآخر تشديد الخناق على المعارضة إلى اعتبار الشق “غير النظامي” منها “عملاء للنفوذ الغربي” في ظل ظروف تعد فيها روسيا “محاصرة”.
وقال كالاتشوف: “تعود حملة القمع واسعة النطاق بحق المعارضة، إلى التغيير في مسألة استيعابها في وضع تبدو فيه روسيا كقلعة محاصرة”. وأضاف “ينظر الآن إلى المعارضة على أن أتباع شقها غير النظامي هم عملاء للغرب، فيما الشق الثاني رفاق لا يعتمد عليهم قد يحدثون مفاجآت أثناء ترانزيت السلطة، كما في حالة الحزب الشيوعي”.
وقلل كالاتشوف من دور انتخابات الدوما في تضييق الخناق على المعارضة، قائلاً: “حملة القمع قبل انتخابات الدوما طابعاً ظرفياً، ولكن هناك أسباباً أعمق مثل الرغبة في استئصال المعارضة قبل الانتخابات الرئاسية، مع تبرير ذلك بوجود عدو خارجي وضرورة الوحدة الوطنية بوجه التهديدات الخارجية”.
ودافع بوتين في مؤتمره الصحافي السنوي، الذي عقده يوم الخميس، عن سياسات السلطة، بما فيها ملاحقة نافالني، داعياً إلى “عدم ارتكاب جرائم جنائية والتستر بالنشاط السياسي”. كما دافع عن قانون “العملاء للخارج”، مستشهداً بوجود قانون مماثل، بل وأكثر صرامة في الولايات المتحدة، وفق قوله.
يذكر أن وزارة العدل الروسية أدرجت في عام 2021 نحو 90 وسيلة إعلام على قائمة وسائل الإعلام “العميلة للخارج” التي باتت تشمل أسماء وسائل الإعلام المستقلة الرائدة مثل قناة “دوجد” (مطر) وصحيفتي “ميدوزا” و”ريبابليك” الإلكترونيتين، بينما تجاوز إجمالي عدد الأسماء المدرجة على القائمة عتبة المائة.
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: