النموذج الذي بشّر به منافس غابرييل بوريك ويتطلع إلى محاكاة ترامب في أمريكا وبولسونارو في البرازيل، قد تعرض لهزيمة نكراء
احتجاجات شعبية عارمة عمت البلاد في نوفمبر 2019 احتجاجاً على أوضاع اقتصادية وانعدام المساواة الاجتماعية واستمرار دستور بينوشيه 1980.
قاد الجنرال أوغستو بينوشيه انقلابا عسكريا أطاح بالرئيس الشرعي سلفادور الليندي وأقام دكتاتورية دامية استمرت 17 سنة وكانت الأسوأ في أمريكا اللاتينية.
انتكاسة صريحة لآمال كيسنجر الذي كان وراء دفع تشيلي لأسوأ نظام اجتماعي اقتصادي والمهندس الفعلي لانقلاب العسكر على الحكم الشرعي في سبتمبر 1973.
إذا كان البعض يعتبر تشيلي «مهد النظام النيوليبرالي» كما أرساه انقلاب بينوشيه فالتحالف اليساري الذي يقوده الرئيس الشاب سيجعل تشيلي مقبرة ذلك النظام.
لا يستبعد أن يكون انتصار اليسار الفتي في تشيلي دافعاً حاسماً لبلدان أخرى في القارة اللاتينية، تعاني سياقات اجتماعية واقتصادية وسياسية مماثلة.
* * *
فاز المرشح اليساري الشاب غابرييل بوريك (35 سنة) في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في تشيلي، بنسبة 56% مقابل 44% لمنافسه خوسيه أنطونيو كاست (55 سنة) مرشح اليمين المتشدد، فبات بذلك الرئيس الأصغر سناً في تاريخ البلاد من جهة أولى، والأول الذي يمثل زعامة طلابية تقود ائتلافاً يسارياً مع الحزب الاشتراكي يعلن العزم على طي أكثر من صفحة في ماضي تشيلي من جهة ثانية.
ومن المعروف أن احتجاجات شعبية عارمة عمت البلاد في نوفمبر 2019 احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية وانعدام المساواة الاجتماعية واستمرار هيمنة دستور 1980 الذي وضعه الجنرال أوغستو بينوشيه بعد انقلاب عسكري أطاح بالرئيس الشرعي سلفادور الليندي وأقام دكتاتورية دامية استمرت 17 سنة وكانت بين الأسوأ في أمريكا اللاتينية.
وكان الرئيس الحالي سيباستيان بنييرا، الملياردير ورجل الأعمال الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي المسيحي، قد جابه الاعتصامات الشعبية بإعلان حالة الطوارئ ونشر الجيش في ساحات العاصمة سانتياغو، قبل أن يضطر إلى التراجع عن الإجراءات القمعية والاعتذار العلني من الشعب.
وقد يكون المغزى السياسي والاجتماعي والاقتصادي الأهم خلف نجاح غابرييل بوريك هو ما أعلنه مراراً وتكراراً خلال الحملات الانتخابية، من أنه إذا كان البعض يعتبر تشيلي «مهد النظام النيوليبرالي» كما أرساه انقلاب بينوشيه، فإن عهد التحالف اليساري الذي يقوده الرئيس الشاب سوف يجعل من البلد مقبرة ذلك النظام.
من الواضح بالتالي أن النموذج الذي بشّر به منافسه كاست، والذي يتطلع إلى محاكاة دونالد ترامب في أمريكا وجايير بولسونارو في البرازيل، قد تعرض لهزيمة نكراء بالرغم من فوز مرشح اليمين المتطرف في انتخابات الجولة الأولى بفارق 28 مقابل 26٪ لمنافسه الشاب.
وليس من المستبعد أن يكون انتصار هذا اليسار الفتي في تشيلي دافعاً حاسماً لبلدان أخرى في القارة اللاتينية، تعاني سياقات اجتماعية واقتصادية وسياسية مماثلة.
وليس النظام النيوليبرالي هو وحده الذي انهزم، ومع هزيمته يُرجّح أن يتبدل الدستور القديم وقسط غير قليل من القوانين والإجراءات التي تكرس انعدام المساواة الاجتماعية وشيوع مظاهر الفقر والبطالة وانحطاط الخدمات الصحية والتعليمية. فقد انهزم أيضاً خطاب الكراهية والتحريض الذي أشاعه المرشح الخاسر ضد المهاجرين، إلى جانب تغنّيه بعهد بينوشيه والدكتاتورية، وإهانة الشعب عن طريق اللامبالاة بماضي والده الذي خدم في الجيش النازي.
ويصح القول إن فوز غابرييل بوريك يمثل انتكاسة صريحة لآمال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الذي لم يكن أبرز الساسة الأمريكيين في دفع تشيلي إلى أقصى اليمين وأسوأ الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية فحسب، بل كان المهندس الفعلي وراء انقلاب العسكر على الحكم الشرعي في أيلول/ سبتمبر 1973.
ولأن تشيلي تظل حاضنة كريمة لملايين من المهاجرين العرب، كما تستضيف العدد الأكبر من الفلسطينيين خارج البلدان العربية، فالأغلب أن الجاليات العربية في البلد قد شاركت في هزيمة خطاب الكراهية ضد الآخر، وبالتالي فإن انتصار بوريك خبر سار لهؤلاء على وجه الخصوص، ولمجموعات المهاجرين بصفة عامة.
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك: