ما مدى استمرار سياسات حكومة بينيت العامة في انتهاج سياسة الحكومات السابقة برئاسة نتنياهو أو افتراقها عنها جوهريّا؟
الانتقادات التي تُوّجه من اليمين إلى حكومة بينيت لا تركّز على سياستها المُطبقة فعلًا بل على مخاوف مما يمكن أن تقدم عليه في ملفات معينة!
كون بينيت تحالف مع الوسط واليسار الصهيوني وحزب عربي لا تدلّ على أنه أصبح معتدلًا سياسيًا وهو القادم من صلب اليمين القوموي الإثنوقراطي.
حكومة بينيت أثبتت خلال فترة قصيرة مضت منذ تأليفها أنها عملت أكثر من أي شيء آخر على الدفع بسياسة اليمين الإسرائيلي بصورة عملية نافذة
بحسب ميزان أول نصف عام من عمر حكومة بينيت يبدو سقف عملها ليس أقل انخفاضًا من سقف عمل الحكومات السابقة لكنه أعلى بكثير من سقف حزب رئيس الحكومة نفسه.
* * *
بقلم: أنطوان شلحت
بمناسبة مرور نصف عام على تأليف الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة نفتالي بينيت، زعيم حزب “يمينا” (نحو اليمين)، اليميني المولود من رحم الصهيونية الدينية، انشغلت كثير من موازين التحليلات في دولة الاحتلال بتقويم أفعالها على الصعيدين، الداخلي والخارجي.
وكان من الطبيعي أن تحتكم تلك الموازين، في شبه إجماع، إلى مدى استمرار سياستها العامة في انتهاج سياسة الحكومات السابقة برئاسة بنيامين نتنياهو، أو افتراقها عنها على نحو جوهريّ. ويهمني هنا أن أضع القارئ بالأساس في ماهية التقويمات التي صدرت عن الطيف اليميني الإسرائيلي، والذي ينتمي بينت إليه.
أول ما يسترعى الانتباه في هذا الشأن اندفاع أحد الأساتذة الجامعيين في جامعة أريئيل، في مستوطنة أريئيل قرب نابلس، في سياق مقالٍ ظهر بصحيفة “يسرائيل هَيُوم” يوم 13/12/2021، إلى تأكيد أن حكومة بينيت أثبتت، خلال الفترة القصيرة التي مضت منذ تأليفها، أنها عملت أكثر من أي شيء آخر على الدفع بسياسة اليمين الإسرائيلي بصورة عملية نافذة، بخلاف كل حكومات نتنياهو منذ عام 2009، والتي كان شغلها الشاغل خوض صراعٍ من أجل أيديولوجيا الهوية، على حدّ تعبيره.
وهو يقصد استخدام مسألة الهوية على نحو هوسي، من أجل الحشد والتعبئة، وزيادة النفوذ السياسي، وتحقيق مكاسب انتخابية، وأكثر من أي أمر آخر من أجل الحفاظ على تماسك القاعدة الاجتماعية الداعمة للحزب الحاكم واليمين بشكل عام.
غير أن الصحافي وأستاذ التاريخ حجاي هوبرمان، أحد قادة المستوطنين، اختار أن يورد سجلّ التفاصيل التي تبرهن على ما سلف ذكره من وضع السياسة اليمينية الإسرائيلية موضع التنفيذ من خلال الأفعال، وليس الأقوال فقط.
يؤكد هوبرمان، الذي يتولى رئاسة تحرير صحيفة أسبوعية دينية تابعة للتيار الصهيوني الديني، أن جُلّ الانتقادات التي تُوّجه من اليمين إلى حكومة بينيت تركّز، لا على سياستها المُطبقة فعلًا، وإنما على مخاوف مما يمكن أن تقدم عليه في ملفات عينية، اتسمت سياسة الحكومات السابقة حيالها بالصرامة الشديدة، وبعدم تقديم تنازلات.
فمثلًا، على ما يشير، لدى قيام رئيس الحكومة بينت بأول زيارة له إلى الولايات المتحدة للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، تمثّل نقد اليمين له بأنه سيخضع لـ”إملاءات” الإدارة الجديدة في واشنطن في ما يتعلق بالموضوع النووي الإيراني، وسيتراجع عن معارضته إعادة افتتاح قنصلية أميركية في القدس الشرقية تقدّم الخدمات للفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ 1967.
وها قد مر نصف عام ولم تتم إعادة فتح القنصلية. كذلك في كل ما يختص بالموضوع النووي الإيراني، تدأب الحكومة على إشهار مواقفها المعارضة لموقف الإدارة الأميركية، ولكن المشكلة تظل كامنة في هوية هذه الإدارة.
وفقًا لهذا الصحافيّ اليميني نفسه، لا ينبغي التأثر كثيرًا من زيارة مندوبي حزب ميرتس، اليساري الصهيوني في الحكومة، إلى رام الله، وعقد لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بما قد يوحي تظاهرًا أن هناك “قناة مفاوضات سرية” بين الجانبين.
فالأمر المهم برأيه إزاء المسألة الفلسطينية أن الحكومة اتخذت قرارًا ينص على إقامة ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية، وهي تعمل بكلّ جديةٍ على إخراج خطة بناء حي استيطاني في مطار عطاروت، شمالي القدس الشرقية، إلى حيّز التنفيذ، والتي تحاشت حكومات نتنياهو دفعها إلى الأمام. كما قرّرت الحكومة تعزيز الاستيطان الإسرائيلي القائم في هضبة الجولان السوريّة المحتلة وإقامة مستوطنات جديدة.
إجمالًا، يمكن القول إنه، بحسب ميزان أول نصف عام من عمر حكومة بينيت، يبدو سقف عملها ليس أقل انخفاضًا من سقف عمل الحكومات السابقة، ولكنه أعلى بكثير من سقف حزب رئيس الحكومة نفسه الصغير. كما أن حقيقة أن بينت تحالف مع الوسط ومع اليسار الصهيوني ومع حزب عربي لا تدلّ على أنه أصبح معتدلًا سياسيًا، وهو القادم من صلب اليمين القوموي الإثنوقراطي.
* أنطوان شلحت كاتب وباحث في الشأن الإسرائيلي
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: