أطلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلية، سراح الشيخ رائد صالح رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر، من سجن مجدو بعد اعتقال دام 17 شهرا، وهو الذي كان معتقلا في سجن عسقلان في حبس إنفرادي قبل نقله إلى سجن مجدو في ساعة متأخرة مساء الأحد، تمهيدا لإطلاق سراحه.
وكان طاقم الدفاع عن الشيخ صلاح، قد حذر في رسائل شديدة اللهجة سلطات الاحتلال من التلاعب بمكان تسليمه، وذلك خوفا على حياته بعد أيام من التحريض عليه، كما حدث عام 2017 عندما تم إنزاله من سيارات الشرطة على قارعة الطريق وحيدا.
وأطلق سراح الشيخ من أمام السجن، وكان في استقباله المئات من الفلسطينين، الذين رفعوا أعلام فلسطين والحركة الإسلامية، ورددوا هتافات للشيخ وللقدس وللأقصى، محتفلين بإطلاق سراح فارس النضال من أجل القدس والمسجد الأقصى، ومعولين على خروجه في تطور للصمود الفلسطيني في وجه المحتل، خاصة فيما يخص التهجير والممارسات الإسرائيلية في المسجد الأقصى.
4 عقود قضاها الشيخ بين النضال وسجون الاحتلال، وهو ملاحق بشكل دائم منذ عام 2017 ضمن ملف الثوابت، وتعرض طيلة حياته النضالية لعدة محاولات اغتيال.
رائد صلاح حر
ولد الشيخ رائد عام 1958 (63 عاما) في مدينة أم الفحم شمالي فلسطين المحتلة، وتلقى تعليمه في مدينة أم الفحم، قبل أن ينتقل للخليل، حيث انهى تعليمه الجامعي بكلية الشريعة هناك.
انخرط في السياسة مبكرا، وكان مازال طالبا، حيث كان يدرس في كلية الشريعة بالخليل، وسرعان ما التحق بالحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر، التي يترأسها منذ عام 1996.
أول تجارب الشيخ مع السجن كانت عام 1981، حيث سجن بعد إدانته بالانتماء لمنظمة عسكرية تسمى أسرة الجهاد، وشارك في عضويتها 21 مناضلا فلسطينية على رأسهم مؤسس الحركة الإسلامية الشيخ عبدالله نمر درويش، قبل أن يخرج من السجن ويوضع تحت الإقامة الجبرية، ومنع من مغادرة بيته خلال الليل، والمتابعة في مركز الشرطة مرتين في الأسبوع.
عام 1989، نجح في الانتخابات على قائمة الحركة الإسلامية في انتخابات البلدية، بنسبة بلغت 70 بالمائة، ليصبح رئيسا للبلدية وعمره وقتها 31 عاما، كما خاض الانتخابات للمرة الثانية عام 1993 ونجح أيضا في الاستمرار بمنصبه، كما نجح لمرة ثالثة عام 1997.
يعارض الشيخ رائد صلاح المشاركة في انتخابات الكنيست، وانشق عن الحركة ونائبه كمال خطيب، بعد أن قررت خوض الانتخابات عام 1996، واصبحت الحركة مكونة من شقين الشمالي تحت قيادته والجنوبي تحت قيادة حماد أبو دعابس، حيث انتخب سنته رئيسا للحركة، كما تولى منصب رئاسة مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات حتى عام 2002، وأصبح رئيسا لمؤسسة الإغاثة الإنسانية.
تعد الحركة الإسلامية التي يترأسها أقوى الفصائل الفلسطينية في الأراضي المحتلة، والكثيرون يعتبرونها امتداد لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.
تعرض لأول محاول اغيال عام 1998، وعاد ليقود بأحداث الروحة التي اقتحمت خلالها شرطة الاحتلال مدينته أم الفحم وأصيب خلال الهجوم 600 فلسطينيا، ليعلن هذا العام عن مشروع المجتمع العصامي الذي يهدف لبناء الداخل الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، كما أسس مؤسسات انتاجية في التجارة والصناعة والتموين ومراكز مستقلة في شؤون الصحة والوقاية، لوقف تبعية الفلسطينيين في داخل الأراضي المحتلة إلى سلطات الاحتلال، ليكتفوا في مجتمعهم اقتصاديا وصحيا، ليؤسس لاحقا جمعيات الصدقة الجارية وشركات زراعية تجمع بين الأرض والعمال الفلسطينيين والمال، والتي بلغت 30 جمعية ومؤسسة في شتى المجالات الخدمية والاقتصادية.
تعرض لمحاولة الاغتيال الثانية عام 2000، وأصيب بطلق ناري في الرأس من جانب قوات الاحتلال، وبعدها بعام واحد قدم استقالته من البلدية بعد سنوات من العطاء ليفسح المجال لدماء جديدة، لكنه استمر في منصبه كرئيس للحركة الإسلامية.
منع من السفر بقرار إسرائيلي عام 2002، واعتقل بعدها بعام وبعض رفاقه لمدة عامين بعد أن أدينوا في قضية الاتصال مع “عدو وتبييض أموال” لحركة المقاوضة الفلسطينية حماس وتم تبرئته في تهم الإخلال بالنظام العام لكنه بقي منتظرا مقاضاته في اتهامات أخرى ترتبط بالدفاع عن المسجد الأقصى.
كان أول من كشف محاولات الحفر الصهيونية تحت المسجد الأقصى، ليواجهها بقيادة مؤسسة الأقصى للدفاع عن المسجد والقدس وبقية المقدسات الفلسطينية.
يقول الشيخ رائد صلاح: “نحن لسنا هواة مظاهرات ولكن هناك جريمة لا تزال تنفذها المؤسسة الاسرائيلية وهي هدم جزء من المسجد الاقصى المبارك وبما أن الجريمة مستمرة فسنواصل فعاليتنا”.
أسس مهرجان الأقصى في خطر، وهي الفعالية الفلسطينية الحاشدة التي تتكرر كل عام لمواجهة المخططات الإسرائيلية بحق المقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى وباب المغاربة، وساحة البراق وسلوان وغيرها، وهي المسيرة الحاشدة التي تتجمع نصرة للأقصى وللتذكير بالحطر الصهيوني عليه، وأيضا تقوم بتسيير الحافلات من الداخل المحتل نحو القدس المحتلة.
لعل أبرز ما يخيف الاحتلال من الشيخ رائد، هو أنه رمزا للأقصى، حيث يطلق عليه لقب “شيخ الأقصى” لنضاله الواسع والعميق والقوي والمستمر عن المسجد الأقصى والقدس، على الرغم من إبعاده منها.
بعد إطلاق سراحه عام 2004، تم اعتقاله مجددا عام 2007 بعد المشاركة في خيمة الاعتصامات التي أقيمت احتجاجا على الاعتداءات والحفريات على طريق المغاربة في المسجد الأقصى، كما منع من دخول المسجد الأقصى عام 2009 كما منعه الأردن من دخول أراضيه حيث كان في طريقه لأداء العمرة.
قررت محكمة صهيونية سجنه 10 أشهر عام 2010، وأمضى 5 أشهر في السجن بعد أن بصق على جندي صهيوني استفزه، ليتعرض لاحقا في نفس العام في مايو لمحاولة اغتيال جديدة على إثر وصول أسطول الحرية الهادف لفك الحصار عن غزة إلى ميناء أسدود.
عام 2011 منع الشيخ رائد صلاح شرطة الاحتلال من تفتيش زوجته بعد أن أدت العمرة، واتهم بإعاقة عمل الشرطة وتم سجنه 8 أشهر، وتم اعتقاله في بريطانيا في نفس العام بتحريض من اللوبي الصهيوني لكن تم الإفراج عنه ووصل إلى أم الفحم في إبريل عام 2012، ومنع من دخول القدس لمدة أسبوعين.
يعد الشيخ صلاح أبرز المدافعين عن أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم وخاض نضالا واسعا في مواجهة محاولات التهجير، والاستيلاء على منازلهم وأرضيهم.
دخل السجن مجددا في مايو 2016 لقضاء حكم اعتقاله لتسعة أشهر بتهمة التحريض على العنف، في قضية خطبة وادي الحوز، وفي نفس الشهر حذر قبيل دخوله السجن من محاولة سلطات الاحتلال تصفية مجموعة واسعة من القيادات الفلسطينية بزعم محاربة الإرهاب، كما أطلق نائبه تحذيرات من اغتيال الاحتلال له في السجن.
وأطلق سراح الشيخ رائد صلاح عام 2017 وأنزل على قارعة الطريق بصحراء النقب قرب مستوطنات صهيونية، مؤكدا أن هذا نهج العصابات في الإفراج عن المختطفين، قبل أن يتم إصدار أوامر بمنعه من مغادرة البلاد ومن دخول المسجد الأقصى والقدس واتهمته بالتحريض على الإرهاب، ليتم إيداعه السجن وتم طلب تمديد العزل الانفرادي له لمدة ستة أشهر إضافية.
في أغسطس تم اعتقاله مجددا من نفس العام من منزله، واتهم بـ12 تهمة، وقضى 11 شهرا في السجن الفعلي قبل ان يتم إطلاق سراح ووضعه قيد الإقامة الجبرية في منزله.
اعتقل فبراير العام الماضي وحكم عليه بالسجن 28 شهرا في ملف الثوابت، ولأنه قضى 11 شهرا في حبس احتياطي تم الإفراج عنه للسجن المنزلي، وفي أغسطس 2020، تم اعتقاله مجددا ووضعه في عزل انفرادي بسجن الحلمة ثم سجن أوهلي كيدار بالنقب، وبعدها قررت محكمة الصلح الصهيونية في حيفا سجنه 28 شهر، وتم تداول مقطع فيديو لوالدته تودعه وهي تبكي ليقضي 17 شهرا لاحقا بقية المحكومية في السجون، وفي أغسطس 2021 طلبت نيابة الاحتلال تمديد سجنه لستة أشهر إضافية، ووافقت المحكمة المركزية في بئر السبع على تمديد السجن الانفراد له، قبل أن يتم إطلاق سراحه اليوم.
يرى الشيخ رائد صلاح أن اتفاقية أوسلو ضربة للقدس والأقصى، ومنح فرص أكبر لتهويد القدس، كما ندد بالاقتتال الداخلي في غزة معتبرا أنها نذيرا بسلب الأقصى ودفعا للإسرائيليين لتنفيذ مخططاتهم.
رفض مرارا تدخل الاحتلال في شؤون المسلمين والمسيحيين الدينية على السواء، بعد قرار لجنة القانون والدستور في الكنيست عام 2001، بتعديل قانون الأحوال الشخصية الذي أبقى النظر في قضايا الزواج والطلاق في المحاكم الشرعية والكنيست بينما سمح بالتوجه للمحاكم المدنية في مسائل النفقة والحضانة والتبني وأخرى، وهو ما اعتبره فرضا للإكراه الديني.
تعد خطته “المجتمع العصامي” إحدى أبرز التهديدات للاحتلال من داخله، حيث من خلالها يعمل الشيخ على بناء فلسطين ومؤسساتها المستقلة فعليا بداخل أراضيها، وهو ما يعد هدما للاحتلال من داخله.
موضوعات تهمك: