برزت قضية التعليم فجأة وصارت متغيرا مهما سيحدد، على الأرجح، مستقبل الديمقراطيين.
يشن تيار ترامب حملات منظمة لو استمرت ستجعل التعليم ما قبل الجامعي خاصة قضية انتخابية رئيسية.
فاز مرشحون جمهوريون بمناصب محلية مختلفة عبر حملات انتخابية، مؤداها أن من حق أولياء الأمور تحديد مناهج التعليم التى يدرسها أبناؤهم.
* * *
بقلم: منار الشوربجي
مستقبل الرئيس بايدن وحزبه بالانتخابات التشريعية القادمة قد تحدده قضية التعليم، فالحملات المنظمة التى يشنها اليوم تيار ترامب لو استمرت ستجعل التعليم، خصوصا ما قبل الجامعى، قضية انتخابية رئيسية.
فالحزب الجمهورى الذى سمح بهيمنة أقصى اليمين على مقدراته قد صار حزب ترامب. وتسعى رموز الحزب المنتخبة ومرشحوه للاحتفاظ بقاعدة ترامب الانتخابية فى كل انتخابات قادمة عبر جعل قضايا ذلك التيار هى قضاياهم.
وجمهور ترامب ليس كتلة واحدة. صحيح أن أغلبهم ممن يؤمنون بتفوق البيض لكن من لا يؤمنون بتلك الأفكار يشعرون على أقل تقدير بالقلق تجاه التحول السكانى الذى سيجعل البيض أقلية خلال عقود قليلة. وهو يرون ذلك تهديدا لمقدراتهم الاقتصادية وللثقافة الأمريكية، والتى هى، عندهم، ثقافة البيض.
ويعتبر المتطرفون منهم أن العنصرية الموجودة ببلادهم ليست عنصرية ضد الأقليات وإنما هى عنصرية ضد البيض، وينظرون لأنفسهم باعتبارهم «ضحايا» لأولئك «الغرباء» الذين «يغزون» مجتمعهم بثقافاتهم ودياناتهم المختلفة!
بل يعتبر كثيرون منهم الحكومة الأمريكية ذاتها ضالعة فى تلك «المؤامرة» على البيض عبر دعم حقوق الأقليات، والبيض فى تلك الحكومة «خونة» للعرق الأبيض أصلا.
ولأن رموز الحزب الجمهورى فى أعلى المناصب المنتخبة ابتلعوا ألسنتهم حين كان ترامب رئيسا ولم توجه الأغلبية الساحقة منهم انتقادات تذكر لتصريحاته التى كانت تنضح بالعنصرية، يدرك مرشحو الحزب أنه لم يعد بإمكانهم الفوز فى أي انتخابات قادمة دون قاعدة ترامب الانتخابية.
ومن هنا، فهم يلتقطون القضايا التى يطرحها ذلك التيار فى دوائره وإعلامه وينشرونها على نطاق واسع عبر حملاتهم الانتخابية. ومن بين تلك القضايا نظرية علمية مؤداها أن المسألة العرقية لعبت، ولاتزال تلعب، دورا محوريا فى تشكيل الهياكل والمؤسسات الأمريكية المختلفة حتى اليوم.
وقد نشأت تلك النظرية أول الأمر وسط الأكاديميين المتخصصين فى القانون، ثم انتقلت لاحقا لفروع علمية مختلفة من الأنثروبولوجيا والتاريخ إلى علم السياسة.
ورغم أن النظرية لا تدرس بالتعليم ما دون الجامعى ولا هى حتى مما يدرسه طلاب كل الجامعات الأمريكية، إلا أن اليمين المتطرف استخدم تلك النظرية بزعم أنها مناهضة للبيض بل ومعادية لأمريكا ذاتها، وزاعمين زورًا أنها تدرس بالمدارس بكافة مراحلها فتعلم الأطفال البيض كراهية بلادهم وتغرس فيهم الشعور بالذنب.
وقد سرت تلك الأطروحة كالنار فى الهشيم، حيث صار المرشحون الجمهوريون يتناولونها فى تصريحاتهم ووصل الأمر لصدور تشريعات محلية بالولايات تحظر تدريس نظرية لا تدرس أصلا بالمدارس!
وخلال الشهر الماضى، فاز مرشحون جمهوريون بمناصب محلية مختلفة عبر حملات انتخابية، مؤداها أن من حق أولياء الأمور تحديد مناهج التعليم التى يدرسها أبناؤهم.
ولأن الأمريكيين العاديين لا يتابعون بدقة ما يجرى خارج ولاياتهم وربما مدنهم فإنهم، خصوصا غير المتطرفين منهم، لا يعرفون ماهية تلك النظرية بالضبط، ولا يدركون أن أبناءهم لا يدرسونها أصلا. لكن تروق لهم بالطبع مسألة تحديد مستقبل أبنائهم التعليمى.
ولأنهم فى الأصل غاضبون من الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا والتى حرمت أبناءهم من الوجود بمدارسهم وما ترتب عليه من دور أكبر صار عليهم لعبه فى تعليم أبنائهم، فقد زادت حملات اليمين بخصوص تلك النظرية، بغض النظر عن زيفها، من حدة غضبهم حيث وجدوا السلطة التي طالبتهم بإيجاد الوقت لتعليم أبنائهم بالمنازل هى نفسها التى تصر على تحديد مناهج التعليم «نيابة عنهم».
ومن هنا، برزت قضية التعليم فجأة وصارت متغيرا مهما سيحدد، على الأرجح، مستقبل الديمقراطيين.
* د. منار الشوربجي استاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي,
المصدر| المصري اليوم
موضوعات تهمك: