ما هي الخطوات المقبلة، وما مصير إحياء الاتفاق النووي في ظل الثقة المفقودة وموازين القوى العسكرية؟
يمكن لإيران التصعيد من خلال اعتماد تقنيات جديدة أو جمع مزيد من المواد، ولها أن تزيد أو تقلل السرعة في نشاطها.
في حال تقديم تنازلات لحكومة إيران الجديدة تسود مخاطر بأن يشعر المتشددون بإيران بصوابية نهجهم والتعنت بقوة في مواقفهم.
خيبة أمل وقلق بشأن تغييرات اقترحتها إيران على النص الذي تم التفاوض عليه خلال الجولات الست الماضية من مفاوضات فيينا النووية.
إذا ما اتضح حتى منتصف ديسمبر أنّ المفاوضات لن تؤدي لشيء وإيران لن تتعاون مع وكالة الطاقة الذرية فيحتمل أن تتخذ واشنطن منحى أكثر صرامة.
* * *
انتقد سياسيون من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أخيراً سلوك إيران، وسط خيبة أمل وقلق بشأن التغييرات التي اقترحتها طهران على النص الذي تم التفاوض عليه خلال الجولات الست الأخيرة من مفاوضات فيينا.
واعتبرت وزارة الخارجية الألمانية أنّ المقترحات الإيرانية “غير مقبولة، ولا توفّر أساساً لنهاية ناجحة للمحادثات”، معلنة عن رغبة برلين في اتباع المسار الدبلوماسي بما خص الاتفاق النووي، لأنّ الوقت ينفد، مطالبة الجانب الإيراني بالعودة إلى فيينا بمقترحات “واقعية”.
يأتي ذلك بعدما خلص الغرب إلى أنّ إيران انتهكت تقريباً جميع التسويات التي تم التوصل إليها خلال الأشهرالماضية بعد مفاوضات صعبة، مقابل اتهام إيران للغرب بالمماطلة والتقاعس وعدم الوفاء بالالتزامات، فما هي الخطوات المقبلة، وما مصير إحياء الاتفاق النووي في ظل الثقة المفقودة وموازين القوى العسكرية؟
هذه التساؤلات ردّ عليها الخبير في الشؤون الإيرانية من مجموعات الأزمات في واشنطن علي فايز، الذي عمل في وقت سابق تحت إدارة المفاوض الأميركي في المحادثات النووية في فيينا روبرت مالي، وذلك في مقابلة مع صحيفة “تاغس شبيغل” الألمانية، اليوم الثلاثاء.
وأعرب فايز عن اعتقاده بأنّ الإدارة الأميركية بدأت المفاوضات بكثير من التشاؤم، ولا سيما أنّ الاختلافات كبيرة مع الحكومة الإيرانية الجديدة، والفريق المفاوض الحالي في الملف النووي يتكون من منتقدين أشداء للاتفاق النووي.
فعلى سبيل المثال، نشر كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني مقالاً عن الاتفاق النووي الإيراني الموقّع عام 2015، ذكر فيه مائة نقطة من شأنها أن تنتهك المصلحة الوطنية لإيران.
وتواجه الولايات المتحدة والرئيس جو بايدن معضلة أخرى، فمع تقديم التنازلات للحكومة الجديدة في طهران، تسود مخاطرة بأن يشعر المتشددون الإيرانيون بصوابية نهجهم، والتعنت بقوة في مواقفهم.
ولفت فايز إلى أنه “في الأشهر الخمسة الأخيرة من انقضاء المحادثات السابقة، زاد الإيرانيون من الضغط بشكل كبير”.
هل تطور إيران قنبلة نووية؟
وعن مدى تطوير إيران لقنبلة نووية، ذكّر الخبير الذي كان منخرطا عن كثب في المحادثات التي أدّت إلى الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، بأنه عندما تولّى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منصبه عام 2017، كانت إيران على بعد اثني عشر شهراً من قدرتها على تخصيب اليورانيوم بما يكفي لصنع قنبلة نووية، و”نحن نتحدث الآن عن أقل من شهر، والبرنامج النووي يتطور بسرعة كل يوم، ولكن ليس بشكل خطي متواصل (linear)، لذلك من الصعب تحديد مدة زمنية محددة”، يقول فايز.
ورأى فايز أنّه “يمكن لإيران التصعيد من خلال اعتماد تقنيات جديدة أو جمع المزيد من المواد، ولها أن تزيد أو تقلل السرعة في نشاطها”، وخلص إلى انطباع بأنّ “صبر بايدن بدأ ينفد”.
وهذا يعني، وفق فايز، أنه إذا ما اتضح حتى منتصف ديسمبر/كانون الأول الحالي، أنّ هذه المفاوضات لن تؤدي إلى أي شيء، وإيران لن تتعاون مع وكالة الطاقة الذرية، فمن المحتمل أن تتخذ واشنطن منحى أكثر صرامة في تعاطيها مع طهران، وبالتالي سيتم التشدد بالعقوبات الحالية، لتشمل المجالات الاقتصادية المهمة، على نحو الصادرات إلى الصين أو المعاملات والتحويلات المالية مع دول الخليج، حتى أنه من الممكن أن تستأنف عقوبات الأمم المتحدة اعتباراً من بداية العام 2022.
في المقابل، شدد فايز على أهمية أن تثبت الولايات المتحدة مصداقيتها، بعدما انسحبت من جانب واحد من الاتفاق عام 2018، و”هذا هو السبب في أنّ إحدى أكبر العقبات في المحادثات الحالية مطالبة الإيرانيين بضرورة أن تضمن واشنطن أنها ستفي بوعودها في المستقبل”.
هل ينشب صراع عسكري؟
وعن حجم خطر التصعيد العسكري، قال فايز، لـ”تاغس شبيغل”، إنّه “إذا انهارت المحادثات تماماً أو اتخذت إيران إجراءات تندرج بوضوح ضمن فئة التسلّح العسكري، مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% المطلوبة للسلاح النووي أو إعاقة عمل المفتشين الذريين، فسيؤدي ذلك إلى عمل عسكري، ولا سيما أنّ دوامة التصعيد بدأت للتو”.
وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت مفاوضات فيينا عرضة للفشل، أجاب فايز بأنه “بدون اتفاق مؤقت على الأقل يجمّد عملية التصعيد السائدة، يزداد بشكل كبير خطر نشوب صراع عسكري بين إيران وإسرائيل، أو بين إيران والولايات المتحدة”.
وعن دعم أميركا لإسرائيل، أشار فايز إلى أنّ “علاقة واشنطن تحسّنت مع رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد نفتالي بينت، وهناك تنسيق أوثق بين الطرفين مما كان عليه في عهد بنيامين نتنياهو”.
لكن، برأي فايز، فإنّ إسرائيل لن تقدم على أي عمل عسكري دون مشورة أميركية. وخلص إلى أنه “في حال فشل مفاوضات فيينا، وأوشكت إيران على أن تصبح قوة نووية، فعندئذ سيكون هناك عمل عسكري، وقد يحصل في وقت مبكر من العام المقبل”.
وفي وقت سابق، علّقت مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني، يوم الجمعة الماضي، حتى يتمكّن الدبلوماسيون الأوروبيون من مراجعة مقترحات طهران.
واليوم، الثلاثاء، أفادت وكالة “تسنيم” للأنباء الإيرانية شبه الرسمية بأنّ المحادثات ستستأنف يوم الخميس في فيينا. وقالت إنّ كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني انتهى من تحديد موعد استئناف المحادثات في مكالمة هاتفية مع منسق الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا.
ولم يصدر تأكيد رسمي حتى الآن للتقرير من مسؤولين أميركيين أو إيرانيين.
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: