ليس لدى حفتر سوى مشروع واحد، أن يكون حاكما مطلقا لليبيا سواء عبر صناديق الانتخاب، أو صناديق الذخيرة.
عدم مشاركة حفتر في الانتخابات الرئاسية، سيدفع أنصاره للمطالبة بإلغاء العملية الانتخابية وليس فقط تأجيلها.
بينما ترفض عدة قوى في المنطقة الغربية لها ثقلها ومخالبها وأنيابها، أن يحكم حفتر ليبيا سواء على عبر الانتخابات أو بالقوة العسكرية.
حفتر عمل المستحيل للإمساك بزمام السلطة بالقوة المسلحة لن يتقبل الخروج من السباق الرئاسي ولو أدى ذلك لنسف العملية الانتخابية برمتها.
قد يشن حفتر هجوما عسكريا جديدا على طرابلس في حين تنطلق الحملة الانتخابية ما يؤدي لسقوط العملية الانتخابية تلقائيا فلا معنى لانتخابات تحت الرصاص.
الخيار الأخير أن يعلن حفتر انفصال إقليمي برقة وفزان عن طرابلس وتشكيل حكومة مؤقتة وتعيين نفسه رئيسا لشرق وجنوب البلاد واحتكار إنتاج النفط وموانئ النفطية.
“معادلة صفرية” بين حفتر وخصومه بالمنطقة الغربية تجعل إجراء انتخابات نزيهة يعترف الجميع بنتائجها مسألة بالغة الصعوبة مع انقسام المجتمع الدولي ودعم دول وازنة لحفتر رغم جرائمه ضد ليبيا.
* * *
إبعاد اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر من الانتخابات الرئاسية بحكم قضائي من المحكمة الابتدائية في مدينة الزاوية، من شأنه إحداث زلزال سياسي في البلاد، خاصة إذا تم ترسيم هذا الحكم واعتمدته مفوضية الانتخابات.
فحفتر، الذي عمل المستحيل للإمساك بزمام السلطة بالقوة المسلحة، ولما فشل عسكريا، لجأ للمناورات السياسية لتحقيق هدفه بكل السبل الممكنة حتى غير المشروعة منها، لذلك من المستبعد أن يتقبل الخروج من السباق الرئاسي ولو اضطره الأمر لنسف العملية الانتخابية برمتها.
لم يخرج رسميا بعد
لكن إخراج حفتر من الانتخابات الرئاسية لن يكون سهلا، فالحكم ليس نهائيا، وبإمكانه الطعن لدى محكمة الاستئناف، والتحجج بعدم اختصاص محكمة الزاوية، استنادا إلى قرار المجلس الأعلى للقضاء بأن الطعن يكون في المكان الذي تقدم فيه ترشحه.
بينما بررت محكمة الزاوية الابتدائية موقفها بأن “ما أصدره المجلس الأعلى للقضاء، قرار وليس قانونا، ما يجيز لها إمكانية استقبال الطعون والبت فيها”.
مستندة في ذلك على قانون القضاء الإداري الخاص بالاختصاص الذي “يسمح للمحكمة بالنظر في كل الطعون دون التقيد بنطاق جغرافي”.
فعبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة، مثلا تمكن من العودة للسباق الرئاسي بعد طعنه لدى محكمة الاستئناف عقب قبول محكمة طرابلس الابتدائية في وقت سابق طعون مرشحين آخرين ضده.
واستبعاد حفتر من الانتخابات الرئاسية، لا يخضع بالضرورة إلى اعتبارات قانونية محضة، فرغم صدور حكم غيابي ضده مرتين بالإعدام، آخرها من محكمة مصراتة العسكرية في نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، وأيضا امتلاكه للجنسية الأمريكية، إلا أن المفوضية العليا الانتخابات قبلت ملف ترشحه، كما رفضت محكمة الاستئناف في بنغازي الطعون ضده.
فالنائب الموالي لحفتر جبريل أوحيدة، اعتبر حكم استبعاد حفتر من السباق الرئاسي “خارج السياق، ولا يعتد به”، وبرر ذلك أن محكمة الزاوية التي أصدرت الحكم “ليست من المحاكم المختصة بالنظر في الطعون المحددة وفق لائحة المجلس الأعلى للقضاء”.
فالصراع العسكري والسياسي والقانوني الذي يخوضه حفتر منذ 2014، للوصول إلى السلطة، دخل مؤخرا قاعات المحاكم وسيلقي ثقلا أكبر على عاتق المؤسسة القضائية، التي حافظت على وحدتها رغم انقسام معظم المؤسسات السيادية الأخرى.
وإبعاد حفتر من السباق الرئاسي لا يحتاج إلى مبررات قانونية، بقدر من يحتاج إلى شجاعة قضائية وإرادة سياسية ومساندة شعبية ودولية، وإلا فإن قائد مليشيات الشرق، لن يجد صعوبة في الانقلاب مجددا على قرار أي محكمة لا يناسب هواه.
وإن كان التعذر بأن حفتر لم يصدر في حقه حكم حضوري ونهائي، فإن مصادقة المحكمة الفيدرالية الأمريكية بفرجينيا على وثيقة حصوله على الجنسية الأمريكية، بحسب رئيس مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان، عماد الدين المنتصر، لا تتيح له أي مجال قانوني للترشح للانتخابات الرئاسية.
غير أن حفتر عادة ما كان يجد مخارج لملفاته القانونية المعقدة بفضل تواطؤ أو خضوع أطراف معنية بالعملية الانتخابية، وهذا ما يدفع العديد من الأطراف السياسية للتشكيك في نزاهة الانتخابات قبل انطلاقها.
فالكرة الآن بيد محكمة الاستئناف، والمجلس الأعلى للقضاء، بالدرجة الأولى، لإصدار حكم نهائي بشأن ترشح حفتر للانتخابات من عدمه.
وبالدرجة الثانية يعود الأمر إلى المفوضية العليا للانتخابات لتنفيذ حكم المحكمة دون تأويل أو تحوير، خصوصا أن عدة أطراف في المنطقة الغربية تتهم عماد السائح، بالانحياز إلى حفتر.
انتخابات مهددة بالتأجيل أو الإلغاء
عدم مشاركة حفتر في الانتخابات الرئاسية، سيدفع أنصاره للمطالبة بإلغاء العملية الانتخابية وليس فقط تأجيلها، وبما أن مليشياته تملك السيطرة على الأرض بالمنطقتين الشرقية والجنوبية، فلها القدرة الفعلية على تعطيل العملية الانتخابية.
وليس أدل على ذلك من محاصرة مليشيات حفتر لمحكمة الاستئناف بسبها (جنوب غرب)، ومنعها للقضاء والموظفين من دخولها، للنظر في طعن سيف الإسلام القذافي على حكم أولي باستبعاده من السباق الرئاسي.
ولم تتمكن لا وزارة الداخلية ولا وزارة العدل من فك الحصار على محكمة سبها، ولم تنسحب مليشيات حفتر من المنطقة إلا بعد احتجاجات متواصلة لأنصار القذافي.
وحذر وزير الداخلية خالد مازن، “من أن استمرار عرقلة العملية الانتخابية سيؤدي إلى الإضرار بكل جهود الخطة الأمنية، ما ينعكس مباشرة على سير العملية الانتخابية بشكلها الصحيح في موعدها”.
وهذا التصريح فيه تلميح إلى إمكانية تأجيل الانتخابات لعدم قدرة وزارتي الداخلية والعدل على ضمان أمنها ونزاهتها.
كما أن أمن سبها المكلف بتأمين العملية الانتخابية في المدينة لم يتمكن من التصدي لمليشيات حفتر، وحماية القضاة.
فرئيس مديرية أمن سبها العقيد محمد بشر، قال في تصريحات صحافية: “لسنا بحاجة للمساعدة في تأمين الانتخابات من قبل حفتر وقواته، وكيف لقوات مترشح رئاسي أن تشارك في تأمين الانتخابات؟”.
ولفت العقيد بشر، إلى أن “حفتر يريد منا فقط اتباع تعليماته، وهم ليسوا بجيش، بل مجموعة مجرمين مطلوبين للعدالة”.
وهذا الوضع الأمني الخارج عن السيطرة، والذي سبق حكم محكمة الزاوية باستبعاد حفتر من الرئاسيات، مؤشر قوي على أن الأمور ستكون أصعب في المرحلة المقبلة.
فخطة حفتر كانت ترتكز على استبعاد أبرز منافسيه، وهما الدبيبة والقذافي الابن، وبينما تكفلت مفوضية الانتخابات برفض ملف الأخير، تم إسقاط اسم الأول في طعون أمام القضاء، قبل أن يعود مجددا إلى السباق الرئاسي بعد الاستئناف في الحكم.
خيارات حفتر
أول خيار لدى حفتر الاستئناف على الحكم لدى محكمة بنغازي، والدفع بعدم اختصاص محكمة الزاوية، ومن السهل عليه الحصول على حكم لصالحه، في ظل هيمنته الأمنية على عاصمة الشرق الليبي.
ولم يصدر حفتر أي موقف بعد حكم استبعاده من الرئاسيات، وربما يعود ذلك لثقته في قدرته على إبطال هذا الحكم في محكمة الاستئناف ببنغازي.
وإذا فشل حفتر لسبب من الأسباب في المرور إلى السباق الانتخابي، فسيعمد بدون شك إلى إفشال الاقتراع، أو البحث عن اتفاق سياسي جديد يسمح له بالترشح للرئاسيات، وقد يشمل هذا الاتفاق سيف الإسلام القذافي.
على غرار دفع أنصاره للتظاهر أمام مراكز الانتخابات، وغلقها إن اضطر الأمر، ومنع المرشحين الرئاسيين من تنظيم الحملات الانتخابات في المنطقتين الشرقية والجنوبية، وعرقلة الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوحدة من تأمين العملية الانتخابية.
وأشار وزير الداخلية إلى بعض هذه الممارسات على غرار الاستيلاء على معدات وتقنيات خاصة بتأمين الانتخابات في مدينة أجدابيا (شرق) كانت في طريقها إلى مخازنها للتوزيع على المراكز، وكذلك ما وقع من تهديدات مباشرة لعدد من المسؤولين الأمنيين حضروا دورة تدريبية للانتخابات في مدينة طرابلس.
وعدم إجراء الانتخابات في إقليمي برقة وفزان، يعني أن الانتخابات برمتها ستلغى، ولن يتم الاعتراف بشرعيتها إذا جرت في إقليم طرابلس فقط، رغم أنه يمثل نحو ثلثي الكتلة الناخبة.
السيناريو الآخر، هو أن يشن حفتر هجوما عسكريا جديدا على طرابلس، في الوقت الذي تنطلق فيه الحملة الانتخابية ما يؤدي إلى سقوط العملية الانتخابية تلقائيا، فلا معنى للانتخابات تحت ظلال الرصاص.
والخيار الأخير أن يعلن انفصال إقليمي برقة وفزان عن طرابلس، وتشكيل حكومة مؤقتة، وتعيين نفسه رئيسا على شرق وجنوب البلاد، واحتكاره لمعظم الإنتاج النفطي للبلاد، ناهيك عن الموانئ النفطية.
أوراق الضغط هذه سيلوح بها حفتر أمام القضاء وأمام خصومه في المنطقة الغربية وحتى في وجه المجتمع الدولي، رافعا شعار “أنا ومن بعدي الطوفان”.
فليس لدى حفتر سوى مشروع واحد، أن يكون حاكما مطلقا لليبيا سواء عبر صناديق الانتخاب، أو صناديق الذخيرة.
بينما ترفض عدة قوى في المنطقة الغربية لها ثقلها ومخالبها وأنيابها، أن يحكم حفتر ليبيا سواء على عبر الانتخابات أو بالقوة العسكرية.
وهذه “المعادلة الصفرية” بين حفتر وخصومه في المنطقة الغربية، تجعل إجراء الانتخابات في موعدها وبشكل صحيح ونزيه ومعترف بنتائجه من جميع الأطراف، مسألة غاية في الصعوبة، خاصة مع انقسام المجتمع الدولي، ودعم دول وازنة لحفتر رغم ما ارتكبه من جرائم حرب ضد الليبيين.
(الأناضول)
موضوعات تهمك: