العلاقات الأردنية السورية .. من الجفاء الى التواصل الاقتصادي؟.. تحليل حول إعادة العلاقات بين البلدين.
بقلم: ليث الجنيدي
رجح خبيران أردنيان وبرلماني “إزابة جبل الجليد”، بين الأردن والنظام السوري يبدأ بفتح الحدود، على الرغم من التحفظ الرسمي الأردني إزاء التعجل بالخطوة.
وشهدت علاقات البلدين، خلال فترة الأزمة “المستمرة” بسوريا، حالة من “الجفاء السياسي”، ظهرت معالمه واضحةً بعد طرد المملكة لسفير النظام لديها، في مايو/أيار 2014.
واختار الأردن منذ بداية الأزمة في جارته الشمالية الحياد في مواقفه “المعلنة” إزاء ما يجري، مُطالباً في كل المحافل الدولية بحلّ سياسي يضمن أمن سوريا واستقرارها.
إلا نظام بشار الأسد تمسك بـ”نغمة التشكيك” الدائم والاتهامات المستمرة لعمان، بدعمها لـ”العصابات “الإرهابية” بسوريا، وهو ما نفاه الأردن جملةً وتفصيلاً.
ما يجري في سوريا، عملياً ليس في مصلحة الأردن، خاصة من الناحية الاقتصادية، فالتاريخ شاهد على أن دمشق كانت منفذاً لغالبية البضائع الأردنية المصدرة.
وهبطت قيمة الصادرات الأردنية وفق بيانات رسمية، إلى 13.9 مليون دولار في 2016، بعد أن سجلت 255.5 مليون دولار في 2011.
أما الصادرات الأردنية لسوريا، فلم يختلف الحال بالنسبة لها أيضاً، فقد وصلت إلى 19.5 مليون دولار في 2016، مقارنة بـ 376 مليون دولار عام 2011.
ويرتبط الأردن مع جارته الشمالية سوريا بحدود طولها 375 كلم، ما جعل المملكة من بين الدول الأكثر استقبالا للسوريين، بعدد بلغ 1.3 مليونا، نصفهم يحملون صفة لاجئ.
اقرأ/ي أيضا: الصحافي في زمن الاختفاء
تعامل أردني حذر
يرى الكاتب والمحلل السياسي فايز الفايز أن الأردن يعاني تاريخيا من مشكلته مع الحدود السياسية المضطربة لجيرانه في سوريا؛ نتيجة المتغيرات في الأوضاع الداخلية هناك، خصوصاً اندلاع الحروب والصراعات المسلحة والاضطراب السياسي في منظومة الحكم.
وأضاف، في حديثه، أن “سهولة اختراق الأرض هناك من قبل التنظيمات الجهادية والمنظمات الإرهابية، جعل التحديات التي يعاني الأردن منها شديدة التعقيد وعلى ثلاثة أصعدة سياسة واقتصادية وعسكرية”.
واستدرك “مع اقتراب نهاية الصراع في الجارة الشمالية سوريا بعد ثمان سنوات، بات واضحاً جداً التبعات الثقيلة على الأردن اقتصاديا، حيث انقطعت طرق التجارة مع سوريا وتركيا باتجاه أوروبا وكذلك الواردات التي كانت تتدفق عبر الحدود السورية”.
وأردف، في السياق ذاته، “هذا ما دفع بمسؤولين أردنيين إلى التفكير نحو تغيير في سياسة القطيعة مع الجانب السوري الذي تمكن من البقاء، بدعم روسيا وإيران؛ لتأمين حركة الاقتصاد وتسهيل مهمة عودة اللاجئين بصورة آمنة”.
ولفت بأن “الانفتاح الأردني على سوريا الرسمية بات يقترب من بدايته على ما يبدو، اعتماداً على الأسس السياسية في العلاقات الدولية”.
ونوه “في الأصل الأردن لم يكن لديه مشكلة مع النظام السوري قبل الصراع، وقد استقبل أكثر مِن مليوني لاجئ سوري،غادر ثلثهم أو عادوا وبقي أكثر من مليون لاجئ على أرضه”.
وأكد الفايز “في ظل وضع اقتصادي داخلي مترد، لا بد لعمان أن تبحث عن مصالحها مع أطول حدود شمالية، ولكن التعامل مع النظام السوري يشوبه الحذر”.
ويرى أن “القرار السيادي ليس في دمشق وحدها، الروس يلعبون الدور الأكبر في إدارة العلاقات الخارجية لدمشق، فيما يلعب الإيرانيون الدور الداخلي على الأغلب من خلال قوتهم العسكرية التي يستخدمونها لتطويع القرار السوري”.
وبين بأن “للأردن اليوم مصلحة عليا في إذابة الجليد عن العلاقة مع دمشق، ولكن وحسب مرجعيات عليا، لا يرى الأردن أن الإسراع في إعادة العلاقات مع النظام كما كانت عام 2010, مهمة سهلة وسريعة”.
وربط الفايز كلامه السابق في أسباب رئيسية أهما: “أن الدول الحليفة لها وجهة نظر أيضا يشاركها الأردن بها، وهي الوجود الإيراني على الأرض هناك، ولهذا كان الأردن ينسق مع موسكو وأطراف سورية لإبعاد الوجود العسكري الإيراني حتى مائة كيلومتر إلى الشمال من العاصمة”.
واستدرك “هذا ما لم يتضح فعليا بعد سيطرة النظام على الجنوب السوري الذي نجح الأردن في تحييده باتفاقه مع الجانبين الأمريكي والروسي خلال الحرب السورية، ومحاربته لتنظيمات الإرهابية من جميع مصادرها”.
وفيما يتعلق بفتح المعابر بين البلدين، أوضح بأن “الأردن لا يتوقع إعادة افتتاحها (مغلقة منذ 3 سنوات)قبل أن يكون الجانب السوري جاهزاً تماماً مع تحقيق الأمن الفعلي على طرق المرور والأرض هناك”.
وكان الأردن، قد نفى السبت الماضي، فتح معبر “جابر – نصيب” الحدودي مع سوريا أمام حركة نقل البضائع والمسافرين، بعد ساعات على إعلان وزارة نقل النظام السوري عن فتحه.
ويرتبط البلدان بمعبرين حدوديين رئيسيين، هما “الجمرك القديم” بسوريا الذي يقابله معبر “الرمثا” من الجانب الأردني، و”نصيب” الذي يقابله معبر “جابر”، وقبل اندلاع الأزمة السورية عام 2011 كانت تنشط الحركة التجارية وسفر الأفراد عبرهما.
اقرأ/ي أيضا: حماس والسلطة وإسرائيل .. مصالحها من تصعيد غزة
فتح الحدود نواة لما هو أكبر
محمد بني سلامة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة “اليرموك” (حكومية)، لفت بأن حكومة بلاده “معنية بتطوير العلاقات الأردنية – العربية، ومنها السورية على كافة المستويات الشعبية والرسمية وفي كافة المجالات”.
وزاد، في حديثه، بأنه “من المتوقع أن لا تقف الأمور عند حد فتح الحدود، وإنما تتجاوز ذلك بتقديم كافة أشكال الدعم فيما يتعلق بالعلاقات الأردنية السورية في تعبير عفوي جاد وصادق عن حقائق التاريخ والجغرافيا”.
وتابع بني سلامة “نأمل أن يكون فتح الجدود إيذاناً بتشجيع تطوير العلاقات الأهلية والاقتصادية والتقنية والثقافية والفنية بين الأردن وسوريا”.
وعلى الرغم من كلام بني سلامة، إلا أن تصريح سابق لوزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي بعدم معرفتهم عن ذلك قبل بضعة أيام، رداً على تحديد وزارة النقل السورية العاشر من الشهر الجاري، يبين بأن عمان غير مستعدة لفتح حدودها في الوقت الحالي وتخشى من تردي الأوضاع الأمنية في جارته الشمالية.
وتمكن النظام السوري من السيطرة على المعبرين، بعد معارك طاحنة مع فصائل المعارضة، التي كانت تسيطر على المنطقة لثلاث سنوات.
عودة العلاقات “حتمية”
أما طارق خوري، عضو مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان)، فشدد على “حتمية” عودة العلاقات، معززاً فرضيته، بعلاقات الشعبين (الأردني والسوري) مع بعضهما، وبأنه لا يمكن فصلهما عن بعضهما.
وعلى صعيد الفتح المرتقب للمعابر الحدودية، ربط خوري موقف بلاده من ذلك بموافقة حلفائه، وأن الأردن يؤخر تلك الخطوة لحين موافقة الحلفاء.
وعلى الرغم من كل ما تتداوله أروقة السياسيين عن تقارب أردني سوري، إلا أن الموقف الرسمي لكلا البلدين يخلو من إشارات ودلالات حول ذلك، خاصة في ظل حفاظ عمان ودمشق على تمثيلها الدبلوماسي بمستوى القائم بالأعمال.
وكانت وزارة الخارجية الأردنية قررت، نهاية مايو/ أيار 2014، إبعاد السفير السوري في عمان، بهجت سليمان، بسبب “إساءات متكررة للدولة ورموزها وتدخله بشؤونها (البلاد) الداخلية”.
ويعيش الأردنيون حالة من الترقب والانتظار لإعادة فتح المعابر الحدودية مع سوريا؛ للخروج من حالة اقتصادية متردية تمر بها بلادهم، أنتجها تدهور الأوضاع الأمنية في دول الطوق، وتراجع حجم التبادل التجاري وما ترتب عليه من خسائر تقدّر بمليارات الدولارات.
المصدر: وكالة الأناضول