عمليات استخدام سياسيّ من جهتي الانتقال وأعمال تضليل وكذب وابتزاز وسرقة وإجرام من كل الجهات.
بقرار شجاع كبير تحمّلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل حينها مسؤوليته، انفتحت أبواب أوروبا في 2015 للاجئين.
تركز الاتجاهات العنصرية على السلبيات ولا تهتم بفوائد كبرى يقدمها المهاجرون للبلدان التي يصلون إليها.
أوقفت هجرة 3 ملايين شخص لألمانيا انكماش السكان ونما عدد العاملين وانخفضت البطالة وارتفع معدل المواليد والطفولة ليوازن مشكلة الشيخوخة المتفاقمة بالبلاد..
كان سقوط جدار برلين حدثا تاريخيا أعاد توحيد ألمانيا وفتح الحدود بين شطري أوروبا وأنهى الحرب الباردة بين المنظومة الغربية والاتحاد السوفياتي ومنظومته.
عارضت الاتجاهات اليمينية المتطرّفة (والمحافظة) قدوم المهاجرين واستغلت ذلك في التعبئة المرتكزة على كراهية الآخر وتراكمت هذه السياسات كظاهرة عالميّة.
* * *
تفيض أخبار العالم، ومنذ وقت طويل جدا، بأخبار عن مآسي اللاجئين والمهاجرين، لكنّها انتقلت، في الفترة الأخيرة، إلى فصل جديد اختلطت فيه محاولات عشرات الآلاف من البشر للوصول إلى أوروبا، وفي مناطق أخرى إلى الولايات المتحدة وأستراليا، مع عمليات الاستخدام السياسيّ من جهتي الانتقال، وأعمال التضليل والكذب والابتزاز والسرقة والإجرام، من كل الجهات.
بقرار شجاع كبير تحمّلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل حينها مسؤوليته، انفتحت أبواب أوروبا عام 2015 للاجئين، من السوريين والفلسطينيين والعراقيين والأفغان واليمنيين وغيرهم، فوصل ألمانيا مليونا مهاجر ولاجئ، وتواصل هذا الأمر في السنوات الخمس التالية حتى وصل العدد إلى قرابة ثلاثة ملايين شخص.
كان ذلك حدثا تاريخيا يشبه سقوط جدار برلين عام 1989، كما حمل، بالنسبة لجيل قديم من الألمان، والأوروبيين، تذكيرا بالمأساة الكبرى التي خاضتها البلاد خلال الحرب العالمية الثانية، وضمن ذلك مزيج العار الناتج عن مسؤولية البلاد، خلال الحقبة النازية، عن حرب عالميّة مهولة، والهزيمة التي ألحقتها الجيوش الأجنبية بها والتقسيم الذي تعرّضت إليه، وكذلك لتداعيات الهجرة والانقسام والفاقة والجوع الذي ضرب البلاد بعد ذلك.
كان سور برلين سياجا كهربائيا يمتد على طول الحدود بين هنغاريا والنمسا، وقبل بنائه عام 1961 تمكن قرابة 3,5 مليون شخصا من ألمانيا الشرقية من التحايل على الإجراءات المشددة لمنعهم من السفر إلى ألمانيا الغربية، أما خلال الفترة التي أسس فيها الجدار فحاول أكثر من 100 ألف شخص الهروب، ولم ينجح منهم أكثر من 5 آلاف فيما قُتل قرابة 200 خلال محاولات الهرب.
كان سقوط الجدار إذن حدثا تاريخيا، فهو لم يُعِد توحيد ألمانيا فحسب، بل فتح الحدود بين أوروبا الشرقية والغربية، وأنهى، عمليا، الحرب الباردة بين المنظومة الغربية والاتحاد السوفياتي والدول التي كانت دائرة في فلكه، بل إن الاتحاد السوفياتي تفكك بعد ذلك وتلاشى من الوجود، ككيان سياسي، مع نهاية عام 1991.
عارضت الاتجاهات السياسية اليمينية المتطرّفة (والمحافظة عموما) قدوم المهاجرين، واستغلت ذلك في التعبئة المرتكزة على كراهية الآخر، وتراكمت هذه السياسات ضمن ظاهرة عالميّة كانت رئاسة الأمريكي دونالد ترامب، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتمكّن اليمين العنصريّ من الوصول إلى السلطة في أكثر من مكان كهنغاريا والنمسا، وتقاربت أحزاب يمين الوسط مع تلك الاتجاهات، كما في حالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
كما انعكس ذلك على بلدان خارج المنظومة الغربية كالهند والبرازيل، وأسهم، بالتأكيد، في زيادة التوتّرات الكبيرة في العالم، وكان أثر ذلك على البلاد العربية شديد الوضوح، مع وصول مد الثورة المضادة إلى أقصاه.
لكونها تيارات تعتاش على العنصرية وكره الآخر فإن الاتجاهات العنصرية تركّز على الجوانب السلبية ولا تهتم بالفوائد الكبرى التي يقدمها المهاجرون للبلدان التي يصلون إليها.
فقد أدت هجرة ثلاثة ملايين شخص إلى ألمانيا، على سبيل المثال، إلى وقف الانكماش في عدد السكان، ونمو عدد العاملين، وانخفض معدل البطالة بين 2015 و2019 إلى 5% من 6,3%، وساعد المهاجرون في رفع معدل المواليد ونسبة الأطفال، وهو ما يوازن مشكلة الشيخوخة التي تعاني منها البلاد.
ما تفعله الاتجاهات اليمينية في العالم هو بناء أسوار برلين بين الأمم والشعوب، كما أنها تسعّر النزاعات الاجتماعية والاقتصادية داخل شعوبها، وضد الأقليات الإثنية والدينية بشكل خاص.
وهي تلقى دعما من أنظمة الاستبداد والحكم المطلق والطغيان والاحتلال بحيث يدور المهاجرون في حلقة جهنمية يخاطرون فيها بترك بلدانهم ويموتون في سبيل دخول بلدان أخرى.
العالم في حالة هجرة بين جسور الإنسانية وأسوار الطغيان.
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك: