كأن مالكولم إكس أو مالك الشاباز أبى إلا أن يظل تأثيره حيًا يجسد محنة سود أمريكا حتى بعد اغتياله بأكثر من خمسين عامًا!
تمتعت شخصية الحاج مالك الشاباز بثراء فكرى واجتماعى وسياسى لا تملك معها سوى أن تتأملها من أوجه وزوايا شديدة التعدد والتنوع.
مالكولم إكس اغتيل عام 1965 وهو يلقى خطابًا في نيويورك ولم يتخط 39 عاما إلا أنه يظل من أهم الرموز السوداء التى لايزال تأثيرها قويًا حتى اليوم.
فى السجن عرف مالكولم إكس إسلام منظمة «أمة الإسلام» واعتنقه واعتبر الدين «الجديد» طريقًا للخلاص من العنصرية بالانفصال الاختيارى عن مجتمع البيض.
* * *
بقلم: منار الشوربجي
بعد خمسة وخمسين عامًا كاملة، ظهرت براءة اثنين ممن قضوا عقوبة سجن امتدت عقودًا بتهمة اغتيال الزعيم الأمريكى الأسود مالكولم إكس عام 1965. ففى عام 1966 صدر الحكم بسجن ثلاثة من السود الأمريكيين بعدما أدانتهم المحكمة بتهمة اغتيال مالكولم إكس.
ومالكولم إكس اغتيل عام 1965 وهو يلقى خطابًا بمدينة نيويورك. ورغم أنه لم يكن تخطى التاسعة والثلاثين من عمره، إلا أنه يظل، فى تقديرى الخاص، من أهم الرموز السوداء التى لايزال تأثيرها قويًا حتى اليوم.
فشخصيته كانت تتمتع بثراء فكرى واجتماعى وسياسى لا تملك معها سوى أن تتأملها من أوجه وزوايا شديدة التعدد والتنوع.
ومالكولم إكس، وُلد باسم مالكولم ليتل ثم أطلق على نفسه اسم مالكولم إكس، حيث أراد بالحرف الإنجليزى إكس (X) أن يرمز للمجهول باعتبار أن «ليتل» هو الاسم الذى أطلقه السيد الأبيض على أجداده من العبيد، بينما يظل الاسم الحقيقى الذى جاءوا به من إفريقيا قبل أن تكبلهم فى أمريكا أغلال العبودية مجهولًا.
ومالكولم إكس فى كافة مراحل حياته القصيرة كان تجسيدًا حقيقيًا لمحنة سود أمريكا. فقد قتل العنصريون البيض أباه ومثلوا بجثته ومزقوها لجزءين لأنه كان فى حركة مقاومة الفصل العنصرى.
فانحدرت الأسرة من الطبقة الوسطى إلى الفقيرة وعجزت الأم عن الإنفاق فراحت السلطات تقتاد أولادها الواحد تلو الآخر لمؤسسات الرعاية البديلة، حتى ذهب عقل الأم وتم إيداعها مصحة نفسية فتفرق الأطفال.
ومالكولم، الذى كان حاد الذكاء متفوقًا فى دراسته، اقتاده الفقر والعنصرية للشارع فلم يكمل تعليمه ووقع فى براثن الجريمة حتى حُكم عليه بالسجن عشر سنوات فى قضية سرقة يُسجن فى مثلها البيض عامين فقط.
وفى السجن عرف مالكولم إكس الإسلام كما كانت تعرفه منظمة «أمة الإسلام» واعتنقه، واعتبر الدين «الجديد» طريقًا للخلاص من العنصرية عبر الانفصال الاختيارى عن مجتمع البيض، الذى كان عنده هو الشر ذاته.
و«أمة الإسلام» لا يمكن فهم تعاليمها باعتبارها حركة دينية وإنما كحركة سياسية واجتماعية هدفت لمواجهة العنصرية وألبستها مفردات دينية.
لكن سرعان ما انفصل مالكولم إكس عن «أمة الإسلام» لأسباب متعددة، كان منها قلقه المتزايد من بعض التعاليم الدينية للحركة، ثم سافر للحج، وهناك رأى لأول مرة فى حياته البشر من كل لون يطوفون معًا على قدم المساواة، فعاد لبلاده وقد عرف، كما قال لاحقًا، «الإسلام الحق»، وأطلق على نفسه اسم الحاج مالك الشاباز.
وقبل وفاته بأيام اشتعلت النيران بمنزله فأتت عليه فاتهم علنًا «أمة الإسلام» التى كانت تناصبه العداء وقتها، لكنه سرعان ما تراجع وأعلن أنه سيلقى خطابًا يعلن فيه من كانوا وراء الحريق ولكنه اغتيل وقت إلقاء ذلك الخطاب.
وتبرئة ساحة اثنين ممن حُكم عليهم بتهمة اغتياله هى ذاتها أحد أوجه محنة سود أمريكا التى قضى مالكولم إكس أو مالك الشاباز حياته القصيرة يكافح من أجل علاجها.
فالنظام الجنائى القضائى الظالم وضع اثنين من السود ظلمًا وراء القضبان لعشرات السنين، رغم أن أحدهم كان قد كُسرت ساقه قبل الاغتيال بأيام فلم يحضر أصلًا الخطاب الذى اغتيل أثناءه مالكولم، بينما مات الثانى قبل أن يعلم أن التاريخ قد برأ ساحته.
وكأن مالكولم إكس أو مالك الشاباز قد أبى إلا أن يظل تأثيره حيًا يجسد محنة السود حتى بعد اغتياله بأكثر من خمسين عامًا!
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي.
المصدر| المصري اليوم
موضوعات تهمك: