تعديلات دستورية تسحب من صلاحيات الحكومة وتثير الجدل هل يتجه الأردن نحو مفهوم جديد لـ«الولاية العامة»؟
الحكومة الحالية ترسل نصوصا واقتراحات بتعديلات دستورية تحد من صلاحياتها ومن صلاحيات أي حكومة لاحقة في المستقبل.
تأسيس مجلس جديد للأمن الوطني ودسترة تأسيس هذا المجلس بصورة تجعله مؤسسة سيادية مستقلة إلى حد كبير عن السلطة التنفيذية.
تعديلات دستورية تجاوزت منطق عملية الانتخابات والإصلاح السياسي وخريطة الأحزاب التشريعية وخطفت الأضواء مبكرا من وثيقة منظومة التحديث.
المعترضين وأصحاب الصوت القانوني والسياسي يرفضون بعض التعديلات لأنها تؤثر بالولاية العامة وتسحب صلاحيات خارج منطوق الدستور من الحكومة.
لم تقدم الحكومة للشارع ولقوى السياسية والشعبية تفسيرات حول مبررات التعديلات الدستورية وبعضها تنيط سلطة التنسيب بمناصب عليا في الجهاز القضائي والإفتاء بالقصر.
* * *
بقلم: بسام البدارين
بدا الجدل السياسي والقانوني والدستوري الأردني مبكرا في مواجهة حزمة مفاجأة ومباغتة تم الإعلان عنها من تعديلات دستورية أرسلتها الحكومة إلى مجلس النواب لإقرارها ضمن حزمة مخرجات وتوصيات وثيقة تحديث المنظومة السياسية في البلاد .
ويبدو ان بعض التعديلات التي تقترحها الحكومة تثير جدلا مبكرا وعلى أكثر من صعيد خاصة وسط إجماع المعترضين وأصحاب الصوت القانوني والسياسي الذين يرفضون بعض هذه التعديلات على أساس أنها تؤثر بالولاية العامة وتسحب صلاحيات كثيرة خارج منطوق الدستور من السلطة التنفيذية أي من الحكومة.
أي أن الحكومة الحالية هي التي ترسل نصوصا واقتراحات بتعديلات نصوص دستورية تحد من صلاحياتها ومن صلاحيات أي حكومة لاحقة في المستقبل.
وصف القطب البرلماني الإسلامي صالح العرموطي بعض التعديلات المقترحة بانها تغير وتبدل في شكل وهوية وملامح النظام الدستوري والسياسي الأردني.
واعتبر بعضها الآخر خطيرا أو ينطوي على «مخاطر» ويلحق ضررا كبيرا بمصالح الدولة الاستراتيجية ويلحق ضررا أيضا بالمؤسسة الملكية وبمؤسسة العرش.
فيما نشر المحامي عمر العطعوط مداخلة قانونية لمناقشة بعض التعديلات الدستورية التي تقترحها الحكومة الآن على البرلمان تحت عنوان المساس بمؤسسة العرش مثل تلك الاقتراحات.
ويفترض أن يناقش أو أن يبدأ مجلس النواب بمناقشة تلك التعديلات الدستورية والقوانين الجديدة للانتخاب والأحزاب ضمن وثيقة تحديث المنظومة السياسية في الدولة والبلاد الإثنين المقبل وعلى عجل وفي عملية يفترض ان تقود في النهاية إلى نمط جديد من الإصلاح السياسي قوامه التعددية الحزبية التي تحولت برأي مراقبين إلى «زحام مبكر» في مبادرات تأسيس أحزاب سياسية.
لكن التعديلات الدستورية التي تجاوزت منطق عملية الانتخابات والإصلاح السياسي وخريطة الأحزاب التشريعية خطفت الأضواء مبكرا من وثيقة منظومة التحديث.
وهو أمر لم يعلم بعد ما إذا كان محسوبا أو متفقا عليه خصوصا وان بعض التعديلات الدستورية تثير جدلا واسع النطاق حتى قبل مناقشتها على المستوى البرلماني، مع ان الحكومة لم تشرح للرأي العام موجبات أو أسباب تلك التعديلات ومآلاتها ومبرراتها في المرحلة اللاحقة، الأمر الذي يوحي بأسباب وخلفيات سياسية يبدو انها لا تزال غامضة حتى الآن.
ويتحدث المعترضون هنا عن تعديلات دستورية لها علاقة ببعض الصلاحيات التي تسحب من السلطة التنفيذية والحكومة بمعنى إضعافها مستقبلا على أساس تعزيز صلاحيات القصر وبصورة يرى العطعوط والعرموطي غيرهما انها تمس بجوهر ومنطوق ومحتوى فكرة النظام البرلماني الملكي دستوريا.
الحديث هنا بشكل خاص عن تأسيس مجلس جديد للأمن الوطني ودسترة تأسيس هذا المجلس وبصورة تجعله مؤسسة سيادية مستقلة إلى حد كبير عن السلطة التنفيذية.
ويبدو ان النص الدستوري المقترح تعديله يتحدث عن تشكيل مجلس للأمن الوطني يترأسه جلالة الملك شخصيا ويضم رئيس الوزراء ووزراء الداخلية والدفاع والخارجية ورئيس الأركان ومدير المخابرات العامة إضافة إلى شخصين يختارهما الملك.
وهو نص يتحدث أيضا عن الواجب الأساسي لمجلس الأمن الوطني الجديد وهو الإشراف على القضايا الأمنية الداخلية وعلى السياسة الخارجية في صيغة جديدة وغير محسوبة يعتقد انها تعيد إنتاج صلاحيات مجلس الوزراء وتؤشر على نمط جديد في الولاية العامة والسلطة التنفيذية.
والتعبير الأخير الخاص بـ«السياسة الخارجية» مرن ومفتوح الاحتمالات والسيناريوهات بخصوص التفسير والانطباع الأول ما دامت شروحات الحكومة غائبة، هو ان هذا التعديل يسحب صلاحيات أمنية واسعة من السلطة التنفيذية في الأمن الداخلي والأمن الخارجي.
والأهم انه يسحب من السلطة التنفيذية أيضا وفق المحاججين والمعترضين الإشراف على السياسة الخارجية للبلاد وبالتالي تصبح وزارة الخارجية مستقلة إلى حد ما أو منوطة بإدارة دستورية لا علاقة لها بولاية الحكومة.
وتلك الانطباعات تتراكم في المنطقة التي تخشى الإبتعاد أكثر عن النص الدستوري القائل بطبيعة نظام الحكم والانتقاص بالمقابل والتوازي من صلاحيات أي حكومة في الخريطة السياسية. وتلك مرحلة جديدة يبدو انها تتوازى أو تتسق مع متطلبات واحتياجات تحديث المنظومة السياسية.
لكن هذا الجزء من التحديث لم يشرح بعد للرأي العام ولم تقدم الحكومة للشارع أو للقوى السياسية والشعبية والحزبية تفسيرات محددة حول خلفية ومبررات ومسوغات مثل هذه التعديلات الدستورية خاصة وان بعض التعديلات المقترحة وحسب محطة فضائية المملكة تسحب سلطة التنسيب بمناصب عليا في الجهاز القضائي وفي جهاز الإفتاء من رئيس الوزراء ومن مجلس الوزراء وتنيطها أيضا بالقصر الملكي في خطوة إضافية أيضا لم تشرحها الحكومة.
* بسام البدارين كاتب وإعلامي أردني
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك: